خبر
أخبار ملهلبة

الديك | نزار قباني



الديك

 

 

في حارتنا ديكٌ ساديٌّ سَفّاح

ينتِفُ ريشَ دجاجِ الحارةِ كُل صباح

ينقرُهنَّ .. يطارِدُهنَّ .. يضاجِعُهنَّ .. ويهجرُهنَّ ..

ولا يتذكّر أسماءَ الصيصان (الكتاكيت)

 

في حارتنا ديكٌ يصرُخُ عِندَ الفجرِ كشَمْشونِ الجبّار

يطلقُ لحيتَهُ الحمراءَ ويقمعُنا ليْلاً ونهار

يخطُبُ فينا .. ينشِدُ فينا .. يسدي فينا (يُهمِلنا)

فهوَ الواحدُ .. وهوَ الخالدُ .. وهوَ المقتَدِرُ الجَبّار

 

في حارتنا ثَـمّةَ ديكٌ عدوانيٌ فاشستيٌ نازيُّ الأفكار

سرقَ السُلطةَ بالدَبّابةِ .. ألقى القَبْضَ على الحُريّةِ والأحرار

ألغى وطناً .. ألغى شعباً .. ألغى لغةً .. ألغى أحداثَ التاريخ

وألغى ميلادَ الأطفال .. وألغى أسماءَ الأزهار

 

في حارتنا ديكٌ يلبِسُ في العيدِ القَوْمي لِباسَ الجِنرالات

يأكلُ جِنساً .. يشربُ جِنساً .. يسكرُ جِنساً

يركَبُ سُفُناً من أجساد .. يهزِمُ جَيْشاً من حَلَمات

في حارتنا ديكٌ من أصلٍ عربي .. فَتَحَ الكَوْنَ بآلاف الزَوْجات

 

في حارتنا ثَـمّةَ ديكٌ أُمّيٌ يرأسُ إحدى الميليشيات

لم يتعلّم إلّا الغَزْوَ وإلّا الفَتْكَ وإلّا زَرْعَ حشيشِ الكَيْف وتزويرَ العُمُلات

كانَ يبيعُ ثيابَ أبيهِ ويرهنُ خاتمَهُ الزَوْجي ويسرقُ حَتّى أسنانَ الأمْوات

في حارتنا ديكٌ كُل مواهبِهِ أن يطلقَ نارَ مُسَدّسِهِ الحَرْبي على رأسِ الكَلِمات

 

في حارتنا ديكٌ عصبيٌّ مجنون

يخطُبُ يَوْماً كـ"الحـجّــاجِ" ويمشي زَهْوَاً كـ"المأمون"

يصرُخُ مِن مِئْذَنةِ الجامعِ: "يا سُبحاني يا سُبحاني ..

.. فأنا الدَوْلةُ والقانون"

 

كَيْفَ سيأتي الغَيْثُ إليْنا .. كَيْفَ سيَنمو القَمْح

وكَيْفَ يَفيضُ عليْنا الخَيْرُ وتَغْمُرُنا البَرَكة

هذا وَطَنٌ لا يَحْكُمُهُ الله

ولكن تَحْكُمُهُ الديَكة

 

في بَلدَتِنا: يذهبُ ديكٌ .. يأتي ديكٌ .. والطُغيانُ هو الطُغيان

يَسْقُطُ حُكْمٌ "لينينيٌّ" .. يهجِمُ حُكْمٌ "أمريكيٌّ" .. والمسحوقُ هو الإنسان

 

حين يمرُّ الديكُ بسوقِ القريةِ مَزهوّاً منفوشَ الريش

وعَلى كَتِفَيْهِ تُضيءُ نياشينُ التحرير .. يَصْرُخُ كُلُّ دَجاجِ القَريةِ في إعجاب:

"يا سيّدَنا الديك .. يا مَوْلانا الديك .. يا جنرالَ الجِنسِ ويا فَـحْلَ المَيْدان ..

أنتَ حَبيبُ ملايينِ النِسْوانِ .. هَل تحتاجُ إلى جاريةٍ؟ ..

.. هَل تحتاجُ إلى خادِمةٍ؟ .. هل تحتاجُ إلى تَدليك؟"

حينَ الحاكِمُ سَمِعَ القِصّةَ أصدَرَ أمراً للسَيّاف بذَبْحِ الديكِ

قالَ بصوْتٍ غاضب: "كَيْفَ تجرّأَ ديكٌ من أوْلادِ الحارةِ أن ينتزعَ السُلطةَ مِنّي

كَيْفَ تجرّأ هذا الديك .. وأنا الواحدُ دونَ شَريك!!!"

 

 

نزار قباني

google-playkhamsatmostaqltradent