خبر
أخبار ملهلبة

انتخبوا خيْر من يمثّل عليكم ثمّ يمثّل بكم (3) | فضائح مصر المهروسة لابن النكدي


سرادق مؤتمر انتخابي يحتشد فيه الناخبون لسماع وعود المرشحين للبرلمان وسط اللافتات الانتخابية

انتخبوا خيْر من يمثّل عليكم ثمّ يمثّل بكم (3)

 

 

وبالطبع نسى الناس ما فات وتذكّروا فقط أن "عبد الرافع" قد صار مشهوراً باسم "اللواء عبد الرافع" الذي بدأ يستعد لمعركة الانتخابات القادمة ليخدم بلده وأهل بلده لأنه - على حد قوْله - "ابن الدائرة" رغم كوْن أمّه سيّدةً فاضلة لم تدُر سوى على تربية أولادها.

وفي هذه الأثناء عاد "فادي" إلى وطنه بعد أن استشعر أن ثمّة تغييرٍ قد طرأ على عقليّة الناخبين فأمِل أن يُفضي ذلك إلى تعديل المسار وانصلاح الأحوال، وأعلن أنه ينتوي أن يرشّح نفسه خصماً "لعبد الرافع" الذي غضب وثار لأن هذا الشاب - ابن امبارح على حد تعبيره - تجرّأ وفكّر في منافسته بكل وقاحةٍ وصفاقة، فاتفق مع ابنه "أشرف" لتشويه سمعة هذا الشاب الثوْري بوصمه بالتهمة الجاهزة تلك الأيّام ألا وهي الانتماء لجماعة "الإخوان المسلمين" الإرهابيّة وبعثوا بين الناس بتابعيهما ليبثّوا هذه الفرية فصدّقهم أغلب الناس وبدأوا في مهاجمة "فادي" قوْلاً ثمّ فعلاً للدرجة التي هاجموه في منزله واعتدوا عليه وعلى أسرته بالضرب المبرح ثمّ أضرموا النار في بعض محتويات الشقّة ولكن أولاد الحلال أخمدوا النيران وحالوا دون وقوع المزيد من الأحداث.

وزاد ما حدث من عزيمة "فادي" في كشفه لحقيقة "عبد الرافع" وابنه "أشرف" اللذيْن طرقا الحديد وهو ساخن فاستطاعا أن يرسلا ثلاثة أشخاصٍ من ذوي السوابق ليتسلّلوا فجراً دون أن يشعر بهم أحد ويفتحوا قُفل شنطة سيّارة "فادي" ويدسّوا فيها عدّة قنابل معدّة للتفجير ثمّ قام أحدهم بانتحال شخصيّة "فاعل خير" وأبلغ الشرطة عن طريق هاتفٍ عمومي وادّعى رؤيته "لفادي" وهو يجهّز المتفجّرات ويضعها في حقيبة سيّارته تمهيداً لتوزيعها على الأماكن المزدحمة لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، وتحرّكت الشرطة سريعاً فقد كان هاجس التفجيرات مسيطراً على الجميع وتأكّدت صحّة البلاغ فتمّ القبض على "فادي" وسط إنكاره دون جدوى.

وهكذا وقع "فادي" في حبائل هذا الشِرك المحكم فتخلّص منه "عبد الرافع" وابنه للأبد بعد أن ألقياه في غياهب السجون في حين راحا يستعدّان لمنافسة الغرماء السابقين الذين طفوا على سطح الأحداث السياسيّة مرّةً أخرى بعد أن تهيّأت لهم نفس ظروف الماضي التليد فتأهّبوا جميعاً للجوْلة الانتخابيّة القادمة التي تحدّد موعدها في منتصف 2015 ثم ما لبثت أن تأجّلت إلى موْعدٍ لاحق بسبب عيبٍ شاب قانون تقسيم الدوائر الانتخابيّة، فانتهز "عبد الرافع" الفرصة وسافر من فوْره إلى "باريس" بصحبة ابنه لإجراء بعض الفحوص الطبيّة بعد أن اشتكى منذ فترة بوجود دمٍ في بوْله وفشل معه العلاج الذي وصفه له الطبيب الذي زعم أن السبب وجود حصوة في مثانته، وكانت صدمة "عبد الرافع" هائلة عندما بيّنت تحاليل العيّنات أن السبب الحقيقي لشكواه يكمن في إصابته بمرض سرطان البروستاتا وهو ما يعني موْته المؤكّد خلال فترةٍ وجيزة فتغيّرت نظرته للدنيا وصار يفكّر في مصيره المحتوم وفيما جنته يداه من ذنوبٍ ومعاصي خصوصاً بعد أن غادر "فرنسا" إلى "السعوديّة" حيث قام بأداء العمرة ونوى التوْبة وإصلاح ما أفسده فقرّر أن يعود إلى "مصر" بعد انتهاء العمرة وأن يقر أمام الناس بجرائمه بعد أن وثقوا به وأن يعترف للسلطات بمكيدته ضد "فادي" لإثبات براءة ذلك الشاب الطاهر وأن يتنازل أيضاً عن جميع ممتلكاته التي اكتسبها عن الطريق الحرام الذي سهّله له الشيطان إبّان نيابته في مجلس الشعب، وعارضه "أشرف" في البداية ثمّ أظهر موافقته بعد أن تأكّد من إصرار والده على ما نوى ليخلّص ذمّته أمام الله عندما يقف بيْن يديْه قريباً.

ولكن شهوة السلطة ولذّة المال ومتعة الشهرة كانت قد تمكّنت من نَفس "أشرف" الوضيعة فرسم في مخيّلته سيناريو شيطاني يستطيع به أن يقبض على تلك المغريات الثلاث داخل قبضته ويمنع أباه من أن يتسبّب في فقدانه إيّاهم فيعود حاله على ما كان من عجزٍ وضيق ذات يدٍ وانزواء، وبمجرّد عوْدتهما من الأراضي المقدّسة اقترح "أشرف" على والده أن يعقد مؤتمراً شعبيّاً في دائرته لمصارحة الناخبين بالحقيقة وإطلاعهم على نيّته التبرّع بجميع أمواله لإقامة مشروعات تخدم أهالي الدائرة الفقراء ولكنه طلب من أبيه أن يُبقي ذلك سراً بيْنهما حتّى إعلانه في المؤتمر.

وفي بداية المؤتمر وقبل أن يبوح "عبد الرافع" بمكنون سريرته كان أحد رجال "أشرف" الأشقياء يقف في ركنٍ منزوٍ مظلم ويصوّب مسدّسه ناحية "عبد الرافع" ويلوذ بالفرار دون أن يدركه أحد بعد أن أردى الرجل قتيلاً فوقع صريعاً مضرجاً بدمائه وسط مؤيديه الذين تجمّعوا حوله وقد اعتصرهم الحزن عندما شاهدوا "أشرف" يلقي بنفسه فوق جثّة أبيه وهو يجهش بالبكاء ويولول ويدّعي الحسرة والجزع على والده المجندل المطروح أرضاً فراح يصرخ قائلاً : "أبويا.. أبويا.. رد عليّ يا ابا.. ما تسبنيش لوحدي.. أبوس إيدك قوم.. إلحقونا يا ناس.. قتلوا ابويا.. منهم لله.. منهم لله.. بس انا مش ح اسيبهم.. واللهِ ما ح اسيبهم.. واللهِ لاجيب لك حقّك من حبابي عنيهم.. اشهدوا يا ناس.. لو "عبد الرافع" مات فكلنا "عبد الرافع".. آآآآآه يا ابا.. آآآآآه يا ابا".

وفي التحقيقات تصنّع "أشرف" النحيب على والده واتهم منافسيه في الانتخابات بالتخلّص منه بعد أن تأكّدوا من نجاحه بسبب حب الناس له وتبجيلهم إيّاه ولكن النيابة لم تستطع أن تجد أي صلةٍ بين حادث القتل وبين المتّهمين فقيّدت الجريمة ضد مجهول وبذلك أفلت "أشرف" بفعلته دون أن تهتز له شعرة أو يشعر بوخز الضمير ؛ بالعكس فقد أحس بالارتياح والإيثار في ذات الوقت ؛ فالارتياح لأنه تملّص من أبيه قبل أن يهدم المعبد على من فيه لمجرّد إراحة ضميره ولأنه أيضاً لطّخ سمعة منافسيه فمهّد الطريق لنفسه ليحل محل والده في مجلس الشعب بعد أن قرّر الترشُّـح في الانتخابات، وأمّا الإيثار فلأنه ضحّى باقترافه هذه الجريمة من أجل راحة والده الذي كفاه شر معاناة الآلام والتوجّعات في مراحل المرض الأخيرة فأماته سريعاً دون أنين خاصةً أنه لم يكن ليفرق معه إن مات بتلك الرصاصة أو قَضَى على فراش المرض ولأنه أيضاً لم يحرم والده من ثواب التوْبة وأجر إصلاح أخطائه بعد أن انتوى ذلك فعلاً فالأعمال بالنيّات، ولذلك فقد طمع "أشرف" - كأي ابنٍ بار - في مثوبة الله تعالى ومكافأته بعد أن بذل وجاد بجُرمه وعرّض نفسه لعقاب الله في سبيل والده!!!!

أمّا الناس فقد عاهدوا "أشرف" - بعد أن أغدق عليهم بالمال والهدايا - على مساندته حتّى آخر زفرةٍ من أنفاسهم ليصبح نائباً برلمانيّاً فيكمل مسيرة أبيه - رحمه الله - في استغلالهم ووأد أحلامهم ليظلّوا على نفس المستوى من الفقر والجهل والمرض.

google-playkhamsatmostaqltradent