خبر
أخبار ملهلبة

"أرواح بلا قبور" | الكنز الملعون (2)


قدماء المصريين مرسومون على جدران مقبرة فرعونية

"أرواح بلا قبور" | الكنز الملعون (2)

 

 

واضطر "عبدون" أن يقوم بالعمل وحده فدلف إلى حجرة الدفن فوجد وسطها منضدةً صخريّةً خاويةً من أي متعلّقاتٍ عليْها ووجد قطعاً من الأثاث الخشبي كسريرٍ ومقعدٍ وطاولة يتعسّر حملها وسرقتها فاتّجه إلى التحف الموْضوعة على الرفوف الموْجودة بالجدران فأخذ يملأ الجوال الكبير الذي أحضره معه بما خفّ حمله وغلا ثمنه من التحف والعاديات والآثار الفرعونيّة، فوضع في الجوال تمثالاً متوسّط الحجم من حجر البازلت الأسود للإله "أنوبيس" إله الموتى والتحنيط القديم عند الفراعنة ذو رأس ابن آوى والذي يخدم كحارس الدنيا السفلى ودليلٍ للموتى المؤخّرين وفاتِح الأبواب للعالم الآخر، كما وضع أيْضاً داخل جواله تمثاليْن صغيريْن "لإيزيس" و"حورس" و عدداً من الأواني الكانوبيّة التي توضع بها أحشاء المتوفّى أثناء التحنيط وأوانٍ أخرى فـخّاريّة ونحاسية من تلك التى كانت تستخدم لتناول الطعام والشراب وأقنعةً وألواحاً خشبيّةً مختلفة مرسومٌ عليها وجوهٌ وصورٌ لصاحبة المقبرة وهي تتعبّد للإله "أوزوريس"، ولم يكتفِ "عبدون" بهذه المسروقات القيّمة بل تقدّم نحو أحد أركان حجرة الدفن حيث يوجد التابوت الصخري للأميرة صاحبة المقبرة فأزاح غطاء التابوت الثقيل بصعوبة فانكشفت مومياء الأميرة وهى متدثّرة في كفنها المصنوع من لفائف قماش الكتّان المغموسة في الزيوت العطريّة والراتنجات (الأصماغ)، وشرع "عبدون" في تمزيق هذه اللفائف بسكّينه الحاد ليكشف أيْدي المومياء ورأسها ورقبتها عسى أن تكون قد تمّ تحنيطها ودُفِنَت وهي ترتدي حليّها ومصوغاتها، وصدق حدسه فوجد قرطيْن ذهبيّيْن فشدّهما بقوة فانتزعهما انتزاعاً بعد أن شرما شحْمتيْ الأذنيْن فانقطعت الأذنان بعنف، ثمّ خلع من رقبة المومياء القلادة المزيّنة بفصٍ كبيرٍ من الفيروز الأزرق المنقوش على هيْئة خنفسة الجعران وقد كتب على ظهرها بالخط الهيروغليفي الصغير الفقرة الثلاثون من كتاب الموتى : "أى قلبي.. يا أوفى جزءٌ من كياني.. لا تقف شاهدا ضدي أمام المحكمة أثناء الاحتفال بوزن القلب في العالَم الآخَر.. لأنك الإله الموجود في جسمي وخالقي المحافظ على أعضائي"، ثمّ انتقل "عبدون" إلى يديْ المومياء فوجد باليد اليمنى سواراً فضيّاً وبإصبعيْ الخنصر والبنصر بكل كفٍّ خواتم بها فصوصٌ من العسجد والزبرجد والدر والياقوت واستعصى عليْه خلع هذه الحلي بسهولة من المومياء فاضطر إلى قطع وبتر اليد اليمنى وتلك الصوابع الأربع بسكّينه ليستخلص المصوغات ويضعها في جواله.

ولمّا فرغ "عبدون" من جريمته خرج من المقبرة حاملاً جواله الحاوي كنوزها فألفى "إدريس" وقد وقع يتلوّى في الرمال وهو يهذي بصوتٍ مرتعش وكأنه يخاطب أشباحاً ويتوسّل إليهم ويستعطفهم أن يرأفوا به ويرحموه وحاول "عبدون" أن يفيقه ويثيبه لرشده بالصياح مرّة وبالضرب مرّةً أخرى وبالتربيت عليْه مرّةً ثالثة دون جدوى فخشى أن يُكتّشَف أمره فأسرع بالفرار من هذا المشهد الرهيب وهو يتلفّت حوْله دون أن يلمح أحداً سوى ذاك الصقر الجامد كالتمثال ذو النظرات الثاقبة المخيفة، وبعد أن هبط "عبدون" إلى حيث ربط المركب توجّه من فوْره مصطحباً جواله إلى البر الشرقي ثمّ استقل سيّارة أجرة إلى "الأقصر" ليتوارى عن الأنظار خوْفاً من أن يبلغ عنه "إدريس" الشرطة ويعترف بما جرى.

واتّصل "عبدون" بالخواجة الإنجليزي المولع بالآثار الفرعونيّة والمصريّات "تومسون" وأبلغه بأنّ لديْه تمثالاً نادراً للإله "أنوبيس" يعرضه للبيْع، وبعد أن هدأت الأحوال "بمصر" قليلاً اطمأنّ الخواجة وأقبل "للأقصر" وقابل "عبدون" الذي عرض عليه التمثال فقط ولم يرِه باقي قطع الكنز التي سلبها من المقبرة كي لا يبخس ثمنها أو يلفت إليْه أنظار شرطة الآثار، واتفق الطرفان على مبلغ مائة ألف جنيه مصري ثمناً لهذا التمثال تسلّمها "عبدون" فرحاً وهو يسلّم التمثال للخواجة واعداً إيّاه بصفقاتٍ أخرى قريباً، وآب الخواجة بالتمثال إلى الشقّة التي استأجرها "بالأقصر" ليقيم فيها فأحاط جسم التمثال بطبقةٍ من ورق الألومنيوم الرقيق ثم وضع فوْق هذه الطبقة مقداراً من الطين الطفلي وأخذ يشكّل الطين على هيئة التمثال الأصلي ثم عرّض ما صنع للنار فتحوّل الطين إلى فخّار واختفى التمثال الأثري النفيس داخل تمثالٍ من الفخار الحديث الرديء الصنع فاستطاع الخواجة أن يخرج به من "مصر" تحت سمع وبصر مراقبي المطار دون أن يفطن أحدهم إلى حيلته الخبيثة بعد أن ظنّوا أنّه تمثالٌ عادي مصنوعٌ هذه الأيّام اشتراه الخواجة من أحد الباعة الذين يطوفون في الشوارع كي يذكّره بأوْقاته الجميلة التي قضاها في زيارة الآثار الفرعونيّة، وعند وصول الخواجة إلى مطار "هيثرو" "بلندن" ذهب من فوْره إلى مدينة "ليدز" بمقاطعة "يوركشاير الغربيّة" حيث يعيش وحيداً بمنزله بالطابق السابع بإحدى البنايات العالية هناك وبمجرّد أن ولج داخل الشقّة اتّصل بصاحبٍ له وأبلغه فرِحاً بما معه من كنزٍ ثمين وأفصح له بأنّه لن يتنازل أبداً عن مبلغ نصف مليون جنيه استرليني نظير بيّع تمثال "أنوبيس" إلى أحد تجّار الآثار المشهورين ثمّ اتّصل "تومسون" بهذا التاجر الكبير وعقد معه موْعداً في اليوْم التالي وبعد أن أغلق الهاتف استخرج التمثال من حقيبته وبدأ في إزالة طبقة الفخّار من حوْله بحرصٍ شديد إلى أن أتمّ عمله وترك التمثال ملفوفاً بورق الألومنيوم حتّى يعرضه على التاجر الكبير، ثمّ توجّه إلى الحمّام فخلع ملابسه واستلقى داخل الماء في حوْض الاستحمام (البانيو) وسرح في أوجه إنفاق النصف مليون استرليني وقد انتابته نشوةٌ عارمة فلم يشعر بأن سلك السخّان الكهربائي كان يتفكّك دون سببٍ رويْداً رويْداً من قاعدة السخان الواقع أعلى حوْض الاستحمام وفجأة سقط السلك الواصل بالكهرباء داخل الحوْض فأوصل التيّار الكهربي إلى المياه التي يرقد "تومسون" بداخلها فصعقه التيّار على الفور وأخذ جسمه يرتعد ويرتجّ بشدة حتّى تفحّمت جثته تماماً ثمّ انقطعت الكهرباء عن الحي بالكامل فغرق الجميع في ظلامٍ حالك لم ينقشع إلّا بعد أن استجلت الشرطة الحقيقة واكتشفت مصرع "تومسون" المبهم، وبعد إجراء التحقيقات اللازمة وشهادة صاحب الخواجة وجّهت الشرطة إلى تاجر الآثار الكبير تهمة قتل "تومسون" وقد دعّم هذا الاتهام أوّلاً تسجيل المكالمة التي اتفق فيها "تومسون" مع التاجر على موعد اللقاء وثانياً فشل التاجر الكبير في إثبات وجوده بمكانٍ آخر غير مسرح الجريمة وثالثاً شهادة صديق الخواجة بأنّه اتّصل به وأبلغه بنيّته بيْع التمثال الذي أحضره من "مصر" للتاجر الكبير ورابعاً اختفاء التمثال الثمين، وحُكِم على التاجر الكبير بعشر سنواتٍ في السجن لم يقضِ منها سوى شهريْن فقط قبل أن يلفظ أنفاسه ويموت بزنزانته في ظِل ظروفٍ غامضة.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent