خبر
أخبار ملهلبة

"أرواح بلا قبور" | عمارة الأشباح (3)


بيت قديم مهجور ومسكون بالعفاريت والأشباح التي تظهر كخيال طيف دخان أبيض

"أرواحٌ بلا قبور" | عمارة الأشباح (3)

 

 

وفي هذه اللحظة الفارقة ووسط الظلام الذي يحاصرهم من كل جانب أحسّوا أنّ عيوناً حمراء قد أحاطت بهم وطفقت تمعن النظر إليْهم وأنّ أنفاساً باردة تتردّد حوْلهم فارتعب "فؤاد" وتسمّر في مكانه وتحسّس "سامح" موضع مصحفه الصغير داخل الجيْب العلوي لقميصه في حين صلّب "نعيم" فرسم بالإشارة على صدره ووجهه صليباً، وحاول الثلاثة أن يعودوا من حيث أتوا ولكنّهم لشد دهشتهم لم يجدوا الباب الذي دخلوا منه في موضعه بل وجدوا مكانه دولاباً كبيراً وظهر بابٌ آخر على الجانب المقابل من الغرفة فساروا نحوه بأرجلٍ مرتعشة وهم يسمعون أشخاصاً تتكلّم من وراءه، وما إن اقتربوا من الباب حتّى فُتِح من تلقاء نفسه ففوجئوا بأفراد أسرةٍ يرتدون ملابس ذات طرازٍ قديم ويجلسون إلى مائدة الطعام ويتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث وهم لا يشعرون بالزملاء الثلاثة الذين كانوا بجوارهم تماماً، ومدّ "نعيم" يده نحو الرجل الذي كان يجلس على رأس المائدة ويضع بجانبه طربوشاً أحمر وكانت زوْجته تناديه "بظريف" وحاول أن يهزّ كتفه ليلتفت إليّه ولكن يده اخترقت جسد الرجل وكأن الرجل شبحٌ غير مادّي فذُعِر "نعيم" بشدّة وفرّ من أمام الرجل فتبعه زميلاه مولّين الأدبار من الباب الذي دخلوا منه ففوجئوا مرّة أخرى بأنّ نفس الباب قد أفاض بهم إلى خارج الشقّة حيث سلّم العمارة الداخلي وحاولوا النزول عليه ليخرجوا من هذه العمارة الملعونة فوجدوا الطريق إلى أسفل موصداً فاضطرّوا أن يصعدوا إلى الدور الثاني علّهم يجدون مخرجاً عن طريق نافذةٍ أو شرفة ولكنّ ما حدث بالطابق الأوّل تكرّر بالثاني عندما دخلوا شقّةً عليْها لافتة الدكتور "أبو الفتوح" فوجدوا شخصاً يرتدي معطفاً طويلاً (بالطو) أبيض قديم ذو حزامٍ خلفي يتحدّث إلى بعض العمّال الذين ينقلون بعض المعدّات الطبيّة البدائيّة البائدة، ولم يشعر هذا الطبيب أيْضاً بوجودهم كما كان جسده شفافاً يسمح برؤية ما ورائه، وتشجّع "نعيم" قليلاً وفتح الكاميرا التي أحضرها وبدأ في تصوير فيلماً متحرِّكاً (فيديو) لكل ما يمرّون به من عجائب مفزعة تفوق الخيال، وكانوا كلّما خرجوا من طابقٍ وجدوا طريق العوْدة للطابق الذي يسبقه مغلقاً فيضطرّوا لإكمال طريقهم صاعدين نحو الطابق الذي يليه فمرّوا على الطابق الثالث والرابع بما فيهما من موظّفي شركة "إيست آند وِست" للاستيراد والتصدير ثمّ الطابق الخامس الذي شاهدوا وصوّروا به عروسيْن وهما يُزَفّان ثمّ يودّعان أهليْهما ويغلقان باب شقّتهما وهما يبتسمان للمدعوّين الذين كانوا في طريقهم للانصراف نازلين من سلّم العمارة مخترقين للحائط ومارّين عبره وكأنّه لا وجود له رغم أنّه هو نفس الحائط الذي يسد طريق العوْدة على الأصدقاء الثلاثة، كما مرّوا في الدور السادس على الشيْخ الذي كان منهمكاً في شقّته في قراءة القرآن بصوتٍ عال، وعندما مرّوا بالطابق السابع وجدوه خالياً فتوجّهوا للطابق الثامن حيث شاهدوا شخصاً يرتدي بِزّة ضابطٍ وقد انتابته نوبةٌ من التشنّجات فتيبّس جسده وجحظت عيْناه وخرجت رغوةٌ من لعابه على جانبيْ فمه وتجمّع حوله بعض الناس محاولين إسعافه في منظر رهيب.

و عندما خرج الثلاثة شبّان من الدور الثامن وجدوا طريق السلّم إلى الدور السابع مفتوحاً على مصراعيْه فاستبشروا خيْراً ونزلوا مسرعين إلّا أنّهم فوجئوا بأنّ السلّم بيْن الطابق السابع والسادس ما زال مسدوداً فحاولوا الصعود الى الطابق الثامن مرّةً أخرى فربّما يستطيعون النفاذ منه إلى سطح العمارة ويقفزوا منها إلى أيّة عمارةٍ مجاورة ليعودوا إلى بيوتهم مظفّرين بسبقٍ صحفي كبير وفيلمٍ يصوّر ضحايا عمارة الأشباح ولكنهم وجدوا أن طريق السلّم إلى الطابق الثامن قد صار موصداً تماماً فأيقنوا أنّهم قد أصبحوا حبيسي الدور السابع الذي أصبح مأهولاً بهم، وحاولوا الفكاك من هذا الدور فكانوا ينفذون من باب الشقّة ويجتازون الطريق من غرفةٍ لأخري دون أن يلمحوا نافذةً أو شرفةً أو حتّى فتحةً تؤدّي إلى الخروج من هذا المأزق وانهارت أعصابهم تماماً عندما كانوا يخرجون كلّ مرّة من باب الشقّة بالدور السابع فيجدون طريق السلّم الداخلي للدوريْن السادس والثامن مغلقاً بالطوب دون ظهور أيّة بادرةٍ للنجاة من هذا الكابوس المريع.

وانقضت أسابيع وشهور على غياب الزملاء الثلاثة عن منازلهم دون أدنى أمل للعثور عليْهم، ولم يستطع أحدٌ أن يفسّر ما كان يلقاه من ظاهرةٍ عجيبة تصدر من هواتفهم المحمولة فعندما كان يتّصل بهم أحدٌ يرنّ جرس الهاتِف أوّلاً ثم تردّ أصواتٌ كثيرةٌ متداخلة تأتي من بعيد لا يمكن تمييزها إن كانت صياحاً أو صراخاً أو عويلاً أو بكاءً أو ضحكاً، حتّى شركات المحمول عجزت عن تحديد أماكن هواتفهم فقد كانت أجهزة هذه الشركات تلتقط من هواتفهم إشاراتٍ تشير باستمرار إلى تواجدهم بمكانٍ محدّد في حيْ "رشدي" "بالأسكندريّة" تم تفتيشه صباحاً من قِبَل الشرطة أكثر من مرّة وتم التأكّد من أنّه لا يمكن أن يتواجد به بشر وكان اسم هذا المكان: عمارة الأشباح.  



(تمّت)

google-playkhamsatmostaqltradent