خبر
أخبار ملهلبة

"كنوز الملك سليمان" (1) | تأليف السير "رايدر هاجارد" | إعداد "د. نبيل فاروق" | ترجمة "د. أحمد خالد توفيق" | الناشر "المؤسسة العربية الحديثة" | 1885


غلاف رواية كنوز الملك سليمان تأليف رايدر هاجارد وترجمة أحمد خالد توفيق

كنوز الملك سليمان  (1)

 

 

منذ ثمانية شهور، حصلت على ثروة طائلة، وقد قضيت نحو خمسة عشر شهراً في سبيل الحصول على تلك الثروة، التي عرضتني إلى أحداث وأهوال جسام .. ولكني أحب أن أعرفكم بنفسي أولاً:

أنا "آلان كوترمين" .. وأعيش في مدينة "دربان" بإقليم "ناتال" في جنوب شرق أفريقيا .. وأنا في الخامسة والخمسين من عمري .. وبدأت حياتي العملية في سن مبكرة .. حيث عملت كبائع متجول .. ثم اشتغلت في أعمال صيد الحيوانات والأعمال الحربية .. كما اشتغلت أيضاً كعامل مناجم.

وفي يوم ما تعرفت على رجلين جاءا من إنجلترا إلى جنوب أفريقيا في مهمة خاصة .. الرجل الأول هو "سير هنري كيرتيس" .. وهو شاب في حوالي الثلاثين، وأعتقد أنه أضخم وأقوى رجل رأيته في حياتي .. أما الرجل الثاني فهو "الكابتن جون جود" .. وهو يتميز بحسن مظهره وشدة نظافته ولطفه .. وكان يضع على عينه اليمنى "مُونُوكل" .. وهي عدسة زجاجية مفردة توضع أمام العين لتقوية نظرها .. كما كان يضع في فمه طقماً من الأسنان الصناعية.

دارت بين وبين هذين الرجلين أحاديث طويلة .. عرفت منها أن "سير كيرتيس" قد جاء إلى جنوب أفريقيا للبحث عن أخيه "نيفيل" الذي هاجر من إنجلترا إلى جنوب أفريقيا بحثاً عن ثروة، ولكنه اختفى منذ فترة طويلة وانقطعت أخباره .. وقد علم "سير هنري كيرتيس" أني أعرف كثيراً من أخبار أخيه، ولذلك فقد لجأ إلي لمساعدته في العثور على أخيه المختفي .. أما الكابتن "جون جود" فهو صديق "لسير هنري" تطوع لمصاحبته في تلك المهمة.

تذكرت بصعوبة كل ما كنت أعرفه عن "مستر نيفيل" .. وقلت لهما إني عرفت بعض أخباره عن طريق خادم أسود اسمه "جيم" كان يعمل في خدمته، وصاحبه في آخر رحلة قام بها قبل انقطاع أخباره .. وعلمت من "جيم" هذا أن سيده يزمع القيام برحلة خطرة للحصول على "كنوز الملك سليمان".

ولما كنت أعرف بعض الحكايات التي يتوارثها الأهالي من قبائل "الزولو" عن هذه الكنوز المخبأة في الجبال البعيدة الواقعة خلف صحراء شاسعة قاحلة، فقد حذّرت "جيم" من المشاركة في تلك الرحلة التي قد لا يعود منها أبداً .. إلا أنه لم يسمع كلامي واختفى هو أيضاً.

اندهش "سير هنري" وصديقه "كابتن جود" لدى سماعهما عن "كنوز الملك سليمان" وسألاني هل هي موجودة فعلاً .. فقلت لهما إني لحسن الحظ أعرف الكثير عن تلك الكنوز ولدي أسرار لا يعرفها أحد.

أذكر مثلاً أن أحد النبلاء البرتغاليين واسمه "جوزيه سيلفستر" قد جاء الى هذه البلاد منذ نحو عشرين عاماً بقصد الوصول إلى تلك الجبال الواقعة خلف الصحراء .. وهي الجبال التي يقال أن الملك سليمان قد أخفى فيها كنوزه من الماس .. وقد تصادف لي أن قابلت هذا النبيل البرتغالي قبل قيامه بتلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر، وكان يتمتع بصحة جيدة.

وبينما كنت أقوم برحلة صيدٍ في الصحراء، فوجئت ذات يوم بشبح يزحف على يديه وركبتيه ولا يقوى على النهوض .. وكان هذا الشبح هو "جوزيه سيلفستر" بنفسه .. كان عبارة عن عظام مكسوة بالجلد .. أصفر الوجه من شدة المرض .. وأوشكت عيناه أن تخرجا من رأسه .. وكان يهمهم في ضعف: ماء .. شربة ماء بحق الله!

وبطبيعة الحال فقد أعطيته ما طلبه من ماء حتى ارتوى .. وبعد أن استراح قليلاً واستعاد وعيه .. أشار إلى قمم جبال سليمان الواقعة خلف الصحراء والتي تبدو باهتة عند خط الأفق وقال لي بصوت واهن ضعيف: يبدو يا صديقي أني أشعر باقتراب الموت .. ولقد كنتَ طيباً معي وأسديتَ إلي صنيعاً جميلاً .. لذلك فسوف أعطيك "الوثيقة" .. ربما تستطيع في يوم ما أن تقهر هذه الصحراء المترامية وتصل إلى تلك الكنوز

ومد "جوزيه سيلفستر" يده إلى داخل قميصه، وأخرج كيساً صغيراً مصنوعاً من جلد الغزال، وأعطاني إياه وطلب مني أن أفتحه .. فوجدت بداخله قطعة ممزقة من قماش قديم أصفر اللون، كتبت عليها بضع كلمات بلون أحمر يميل إلى البُنِّي .. وبداخل القماش وجدت قطعة من الورق.

وعندئذ قال لي "سيلفستر" بصوت أصبح أكثر ضعفاً .. إن هذه الورقة تتضمن ما كتب على قطعة القماش .. وأنه قضى عدة سنوات حتى تمكن من معرفة ما كان مكتوباً على القماش .. واعترف لي بأنه من أحفاد أحد النبلاء البرتغاليين الذي كان يعيش منذ نحو ثلاثمائة عام .. وكان من أوائل البرتغاليين الذين وصلوا إلى تلك المناطق بقارة أفريقيا .. وكان اسمه أيضاً "جوزيه دي سيلفستر".

وأخبرني أيضاً أن جده هذا هو الذي كتب هذه الكلمات بينما كان يحتضر على سفح أحد هذه الجبال التي لم يصل إليها من قبل رجل أبيض .. وبعد موته أحضر خادمه هذه "الكتابة" وسلمها للعائلة .. وظلت هذه الوثيقة في حيازة العائلة دون أن يهتم أحد بقراءتها إلى أن قام "جوزيه سيلفستر" بقراءتها وفك رموزها وطلاسمها .. وقرر أن يقوم بنفسه بما فشل فيه جده منذ ثلاثمائة عام .. وهو الحصول على كنوز الملك سليمان ليصبح أغنى رجل في العالم.

وبعد أن أعطاني "جوزيه سيلفستر" هذه الوثيقة وأخبرني بقصتها، تلاشت أنفاسه ومات في هدوء .. وحفرت له قبراً عميقاً دفنته فيه.

كان "سير هنري كيرتيس" وصديقه "الكابتن جون جود" ينصتان إلى ما رويته لهما بدهشة .. وسألاني عما كان مكتوباً في تلك الوثيقة .. فأخبرتهما بأنها كانت مكتوبة باللغة البرتغالية، وقد استعنت برجل برتغالي كان مخموراً لمساعدتي في ترجمة ما جاء في تلك الوثيقة إلى اللغة الانجليزية .. وهذا هو نص الوثيقة بالكامل:

"أنا جوزيه دي سيلفستر .. أموت الآن من شدة الجوع بداخل كهف في الجانب الشمالي من الجبل التي أطلقت عليها اسم "جَبَلَىْ صدر شيبا" .. ويقع الكهف في الجبل الجنوبي من هذين الجبلين .. وأنا أكتب هذه الوثيقة في سنة 1590م .. واستخدم قلماً مصنوعاً من قطعة من العظام .. أكتب به على قطعة من القماش التي مزقتها من قميصي .. أما الحبر الذي أكتب به فهو قطرات من دمي .. وعلى من يعثر على هذه الوثيقة فعليه أن يقدمها إلى ملك البرتغال لعله يأمر بارسال جيش للقيام بالمهمة .. وإذا استطاع هذا الجيش أن يجتاز فيافي الصحراء ويهزم قبيلة "كوكوانا" فسوف يصبح ملك البرتغال أغنى ملك على ظهر الأرض .. ويجب على الملك أن يرسل مع الجيش بعض رجال الدين، لأن رجال قبيلة "كوكوانا" يعرفون السحر وأساليب الشيطان وفنونه .. ولقد رأيت بعيني ملايين من أحجار الماس الثمينة، مخزّنة في غرفة كنوز الملك سليمان التي تقع خلف "الموت الأبيض" .. ولكن الساحرة الصيَّادة العجوز "جاجول" خدعتني، ولم أستطع الحصول من هذه الكنوز على شيء، سوى أن أخرج بحياتي سالماً .. وعلى كل من سوف يذهب إلى هذا المكان بناءً على نصيحتي وطبقاً لخريطتي، أن يتسلق القمة الجليدية للجبل الأيسر من جَبَلَىْ صدر شيبا حتى يصل إلى ذروتها وأعلى مكان فيها .. وعند الجانب الشمالي سيجد الطريق العظيم الذي مهده سليمان بنفسه .. وعلى مبعدة مسيرة ثلاثة ايام في هذا الطريق، سيصل إلى "قصر الملك" .. وعليه حينئذ أن يقتل الساحرة "جاجول" وأن يصلِّي من أجلي .. وداعاً .. جوزيه دي سيلفستر".

وبعد أن قرأت عليهما نص تلك الوثيقة .. سألني "سير هنري كيرتيس" عما إذا كنت أعرف الطريق إلى تلك الجبال التي ذهب إليها أخوه .. فأجبته بالإيجاب .. وهنا طلب مني أن أكون دليله في رحلة البحث عن أخيه في تلك الجبال البعيدة .. وقال لي بصراحة أنه لا يطمع في تلك الكنوز .. وأننا إذا عثرنا عليها فسوف تكون مناصفة بين وبين "الكابتن جود" .. وأنه سيتكفل بجميع مصاريف ونفقات الرحلة.

وقبل أن أوافق على هذا الطلب، حذرت "سير هنري" وصديقه من أن الرحلة حافلة بالمخاطر .. وقد لا نعود منها أبداً .. وأننا قد نلقى نفس المصير البائس الذي وقع فيه "جوزيه دي سيلفستر" منذ ثلاثمائة عام .. وحفيده "جوزيه سيلفستر" منذ نحو عشرين عاماً .. كما وقع فيه "مستر نيفيل" الذي انقطعت أخباره ..

ولكن "سير هنري" قال في هدوء: علينا أن نجرب حظنا ..

وعندئذ بدأت الاستعداد للقيام بتلك المهمة الخطرة ..

اشترينا عربة وبعض المعدات الأخرى .. وكان "سير هنري" قد أحضر معه من إنجلترا عدداً كبيراً من البنادق والمسدسات، فأخذنا معنا عشرة بنادق وثلاثة مسدسات وكمية مناسبة من الذخيرة.

وأتفقت مع سائق ودليل من قبائل الزولو هما "جوزا" و "توم" .. وكنت أريد الاستعانة أيضاً بثلاثة من الخدم الأشداء الأقوياء الشجعان .. ولكني عثرت على اثنين فقط تتوافر فيهما هذه الشروط وهما "خيفا" و "فنتفوجل".

وفي مساء اليوم السابق على السفر جاءني رجل من الزولو اسمه "أمبوبا"، وهو شاب طويل القامة قوي الجسم لطيف المظهر، ويبلغ نحو الثلاثين من عمره .. وذكرني هذا الرجل بنفسه حيث اشترك معي في إحدى المعارك الحربية التي قادها "اللورد شملز فورد" وكنت أعمل كدليل يصاحب تلك الحملة العسكرية.

قال "أمبوبا" إنه سمع أننا ننوي القيام برحلة عظيمة نحو الشمال .. وهو يريد أن يصحبنا في تلك الرحلة ولو دون أجر .. لأنه كما قال رجل شجاع يحب مواجهة الصعاب والمخاطر.

كان "أمبوبا" ذا جسم ضخم يماثل جسم "سير هنري" .. لذلك فقد أعجب به "سير هنري" وقرره أن يتخذه كخادم خاص له أثناء الرحلة .. وقبل "أمبوبا" هذا العرض.



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent