خبر
أخبار ساخنة

وعدتك أن لا أحبك | محاولات لقتل إمرأةٍ لا تُقتَل | نزار قباني




وَعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ

 

 

وَعَدتُكِ أنْ لا أُحِبَّكِ

ثُمَّ أمامَ القَرارِ الكبيرِ جَبُنْت

وَعَدتُكِ أنْ لا أعودَ .. وعُدْت

وأنْ لا أموتَ اشتياقاً .. ومُت

وَعَدتُ مِراراً

وقَرّرتُ أنْ أستقيلَ مِراراً

ولا أتذكَّـرُ أني اسْتَقَلت

 

وَعَدتُ بأشياءَ أكبرَ مِنّي

فماذا – غداً - ستقولُ الجَرائدُ عنّي؟!

أكيدٌ ستَكتُبُ أنّي جُنِنْت

أكيدٌ ستكتُبُ أنّي انتحَرت

وَعَدتُكِ أنْ لا أكونَ ضَعيفاً .. وكُنت

وأنْ لا أقولَ بعيْنيْكِ شِعراً .. وقُلت

وَعَدتُ بأَنْ لا ....

وأَنْ لا ....

وأَنْ لا ....

وحينَ اكتشَفتُ غَبائي .. ضَحِكْت

 

وَعَدْتُكِ أن لا أُبالي بشَعْرِكِ حينَ يَـمُرُّ أَمامي

وحين تَدفَّقَ كاللَيْلِ فَوْق َالرَصيفِ صَرَخْت

وَعَدتُكِ أنْ أَتجاهَلَ عَيْنَيْكِ؛ مَهما دَعاني الحَنين

وحينَ رأيْـتُـهُما تُمطِرانِ نُجوماً .. شَهَقْت

وَعَدتُكِ أنْ لا أُوَجِّهَ أيَّ رسالةِ حُبٍّ إليْكِ

ولَكَنني – رَغمَ أنفي – كَتَبت

وَعَدْتُكِ أنْ لا أكونَ بأيِ مكانٍ تَكونينَ فيهِ

وحين عَرَفتُ بأنكِ مَدعُوَّةٌ للعَشاءِ .. ذَهَبت

وَعَدتُكِ أنْ لا أُحِبَّكِ ....

كَيْفَ؟

وأيْنَ؟

وفي أيِّ يَوْمٍ تُراني وَعَدْت؟

لقد كُنتُ أكْذِبُ مِن شِدَّة الصِدْقِ

والحمدُ لله أني كَذَبْت

 

وَعَدْتُ بكُلِّ بُرُودٍ، وكُلِّ غَبَاءٍ

بإحراقِ كُلِّ الجُسورِ وَرائي

وقَرَّرتُ – بالسِّرِ - قَتْلَ جَميعَ النِساء

وأعلَنتُ حَربي عَليْكِ

وحينَ رَفَعتُ السِّلاحَ على شَفَتيْكِ .. انْهَزَمت

وحينَ رأيْتُ يَدَيْكِ المُسالِـمَتيْنِ .. اختَلَجت

وَعَدْتُ بأنْ لا ....

وأنْ لا ....

وأنْ لا ....

وكانت جَميعُ وُعودي دُخَاناً، وبَعثَرتُهُ في الهواء

 

وَعَدْتُكِ أنْ لا أُتَلْفِنَ لَيْلاً إليكِ

وأنْ لا أُفكِّرَ فيكِ؛ إذا تَمرَضين

وأنْ لا أخافَ عَليْكِ

وأنْ لا أُقَدِّمَ وَرداً

وأنْ لا أبُوسَ يَدَيْكِ

وَتَلْفَنْتُ لَيْلاً .. على الرَغم منّي

وأرسَلتُ وَرداً .. على الرَغم مِنّي

وبُسْتُكِ مِن بَيْنِ عَيْنَيْكِ حتى شَبِعت

وبُسْتُكِ مِن خَلفِ أُذُنَيْكِ حتى شَبِقت

وَعَدتُ بأنْ لا ....

وأنْ لا ....

وأنْ لا ....

وحينَ اكتَشَفتُ غَبائي ضَحِكت

 

وَعَدْتُ بذَبحِكِ خَمسينَ مَرَّة

وحينَ رأيتُ الدماءَ تُغَطّي ثيابي ....

تأكَّدتُ أنّي الذي قَد ذُبِحْت

فلا تَأخُذيني عَلى مَحْمَلِ الجَـدِّ

مَهما غَضِبتُ .. ومَهما انْفَعَلْت

ومَهما اشْتَعَلتُ .. ومَهما انْطَفَأْت

لقَد كُنتُ أكذِبُ مِن شِدَّة الصِدْقِ

والحمدُ لله أنّي كَذَبت

 

وَعَدتُكِ أنْ أَحسِمَ الأَمرَ فَوْراً

وحينَ رأيتُ الدُموعَ تُهَرْهِرُ مِن مُقلَتَيْكِ .. ارتَبكْت

وحينَ رَأيْتُ الحَقائِبَ في الأرضِ ..

أدركتُ أنَّكِ لا تُقْتَلينَ بهذي السُهُولَة

فأنتِ البلادُ .. وأنتِ القَبيلَة

وأنتِ القَصيدةُ قبلَ التَكوُّن

أنتِ الدَفاترُ .. أنتِ المَشاويرُ .. أنتِ الطُفولَة

.. وأنتِ نشيدُ الأناشيد

.. أنتِ المزاميرُ وأنتِ المُضيئة

وَعَدْتُ بإلغاءِ عَيْنَيْكِ مِن دَفتَرِ الذِكريات

ولم أكُ أعلمُ أنّي سألغي حَياتي

ولم أكُ أعلمُ أنّكِ _ رغمَ الخِلافِ الصَغيرِ – أنا

وأنّي أنت

وَعَدْتُكِ أنْ لا أُحِبُّكِ

....  يا للحماقةِ .. ماذا بنَفسي فَعلت؟!!

لقَد كُنتُ أكذِبُ مِن شِدّة الصِدقِ

والحَمدُ لله أنّي كَذَبتْ

 

وَعَدْتُكِ أنْ لا أكونَ هُنا بَعدَ خَمسِ دَقائق

ولَكِنْ إلى أَيْن أذهَب؟

إنَّ الشَوارِعَ مَغسولةٌ بالمَطَر

إلى أَيْنَ أدخُل؟

إنَّ مَقاهي المَدينةِ مَسكونةٌ بالضَجَر

إلى أَيْنَ أُبْحِرُ وَحدي؟

وأنتِ البِحارُ

وأنتِ القُلوعُ

وأنتِ السَفَر

فهل مُمكنٌ أنْ أظلَّ لعَشرِ دَقائقَ أُخرى

لحين ِانقطاعِ المَطَر؟

أكيدٌ بأنّي سأرحَلُ بَعدَ رحيلِ الغُيُوم

وبعد هُدوءِ الرياح

وإلا سأنزِلُ ضَيْفاً عليكِ

إلى أنْ يجيءَ الصَباح

 

وَعَدتُكِ أنْ لا أُحِبَّكِ مثلَ المجانين في المرَّةِ الثانيَة

وأنْ لا أُهاجِمَ مِثلَ العَصافير

أشجارَ تُفّاحِكِ العاليَة

وأنْ لا أُمَشِّطَ شَعْرَكِ حينَ تَنامين

يا قِطَّتي الغاليَة

وَعَدتُكِ أنْ لا أُضيَّعَ بَقيّة عَقلي

إذا ما سَقَطتِ على جَسدي نَجْمةً حافية

وَعَدتُ بكَبْحِ جَماحِ جُنوني

ويُسْعِدُني أنني لا أزالُ

شَديدَ التطرُّفِ حين أُحِب

تماماً كما كُنتُ في المرّةِ الماضية

 

وَعَدْتُكِ أنْ لا أُطَارِحَكِ الحُبَّ طيلةَ عام

وأنْ لا أُخبّئَ وَجهي

بغاباتِ شَعْرِكِ طيلةَ عام

وأنْ لا أصيدَ المَحارَ بشُطآنِ عَيْنَيْكِ طيلةَ عام

فكَيْف أقولُ كَلاماً سَخيفاً كَهَذا الكلام!!

وعَيْناكِ داري ودارُ السَلام

وكَيْفَ سَمَحتُ لنفسي بجَرحِ شُعور الرُخام

وبَيْني وبَيْنُكِ خُبزٌ ومِلحٌ

وسَكْبُ نَبيذٍ، وشَدْوُ حَمَام

وأنتِ البدايةُ في كُلِّ شَيْءٍ

ومِسْكُ الخِتام

 

وَعَدتُكِ أنْ لا أعودَ .. وعُدْت

وأنْ لا أموتَ اشتياقاً .. ومُت

وَعَدتُ بأشياءَ أكبرَ مِنّي

فماذا بنَفسي فعلت؟!

لقَد كُنتُ أكذِبُ مِن شِدّة الصِدق

والحمدُ للهِ أنّي كَذِبت

 

 

نزار قبّاني

google-playkhamsatmostaqltradent