خبر
أخبار ملهلبة

"شيء من الخبث" | الفصل الثامن (1)


مجموعة من الثوار المسلمين يصلون في أحد الشوارع بالعاصمة المصرية القاهرة أثنا ثورة 25 يناير

"شيء من الخبث" | الفصل الثامن (1)

 

 

لم يكد يمضي على أحداث "كاسبيرو" بما فيها من مآسٍ وفواجع أكثرَ من شهرٍ ونصف إلّا وقد نشبت معاركٌ أخرى متتالية في القرية وقع فيها ضحايا كُثُر بين جرحى وشهداء؛ مما دفع الناس مرّةً أخرى للاعتصام بالساحة الأماميّة للمطالبة بالقصاص من القتلة والمجرمين الذين تسببوا في وقوع الضحايا سابقاً ولاحقاً والكف عن ارتكاب المزيد من المذابح بالإضافة إلى تسليم العموديّة من ضبّاط الهجّانة إلى شخص موثوق به من أهل البلدة حتّى يتم انتخاب العمدة الجديد.

وكان الناس في منتهى الإحباط واليأس من تحسّن الأحوال، وكان كلامهم يدور فيما بينهم بطعم المرارة في الألسنة وبإحساس الغُصّة في الحلوق.

الشيخ "إبراهيم" :

- كنتم فين يا "حمداوي" انت وزمايلك؟

"حمداوي" وهو يلهث :

- كنا بنطفّي الحريقة اللي مسكت ف المكتبة بتاعة المدرسة.

الشيخ "إبراهيم":

- هه.. وطفّيتوها؟

"السيد العدوي" :

- آي.. بس بعد إيه.. بعد ما كتب كتيرة بقت كوم رماد يا خسارة.. دي فيها كتب قديمة وقيّمة ماتتعوّضش ولا تتّاقل بالمال.

" حمداوي" :

- ده غير اللي ولاد الحرام نهبوه.

الشيخ "إبراهيم" :

- ولاد الحرام مين؟

"حسين" :

- دول شويّة عيال صيّع دسّوهم ظبّاط الهجّانة وسطينا.. وطلقوهم يحرقوا ويخرّبوا ف كل حتّة علشان يتقال إن شباب الثوْرة همجي وح يخرب البلد.

الشيخ "إبراهيم" :

- منهم لله البُعدا.. عايزين يشعللوا الدنيا.. ويشيّلوا الليلة لشباب الثوْرة.

المقدّس "عيسى" :

- بقى اللي عايز يصلّح البلد ممكن يخربها برضه؟.. قال إيه و"بغاشة" داير ف البلد يطبّل لظبّاط الهجّانة ويقول ف كل قعدة إنهم همَّ اللي بيحموا الثورة وهمَّ اللي ممشيين البلد ومن غيرهم البلد كانت راحت ف حيص بيص.

"حمداوي" :

- ده من غيرهم كنا زماننا بقينا أحسن كتير.. شوف اللي ماتوا واللي انصابوا على أيّامهم قد إيه.. دول عددهم أكتر م اللي كانوا على أيّام "عتريس".

"البُرعي" :

- جايين ده الوقت تقولوا كده.. ما انا قلت لكم م الأوّل: ما اسخم من ستي إلّا سيدي.. ولازم نجيب عمدة من وسطينا ونغيّر نظام البلد.. قلتوا عليَّ طمعان ف العموديّة.. طب آديني مش ح ارشّح نفسي للعموديّة اهو.. تفتكروا ظبّاط الهجّانة ح يتغيّروا؟

الشيخ "إبراهيم" :

- والله عندك حق.. العسكر ح يفضلوا طول عمرهم عسكر.. ما بيعملوش حساب إلا لنفسهم والناس عندهم ما تساويش بصلة.. واحسن مثال لكده اللي عملوه ف اهل البلد المدّة اللي فاتت.. دول حاطّين إيدهم ف ميّه باردة ومخلّيين العساكر بتوعهم ف وِش المدفع.. على رأي المثل: إجري يا مشكاح للقاعد مرتاح.

المقدّس "عيسى" متعجباً يكاد لا يصدّق ما يقوله :

- مين كان يصدّق إن العساكر اللي المفروض تحمي البلد وأهلها همَّ اللي يضربوا نار عليهم بدل ما يضربوا النار دي ع "الكهاينة" أعدائنا كلنا؟

"أبو جَبْرَه" :

- الغريب يا ناس واللي ح يطيّر برج من نافوخي أن العساكر دول طافحين الكوته همَّ وأهاليهم.. ده غير إنّهم بيتعاملوا من الظبّاط معاملة زبالة.. ومع ذلك بيسمعوا أوامرهم ويضربوا اخواتهم من أهل البلد.. صحيح يا ولاد.. القط ما يحبش إلا خنّاقه.

"البُرعي" :

- ده كده ح يولعوا الدنيا.. ده ممكن أهل البلد يمسكوا ف العساكر.. وتتقلب حرب أهلية تودّي البلد ف داهية.

"حمداوي" :

- وهمَّ يهمّهم؟.. أهم حاجة عندهم يبقوا ف مراكزهم ويأمروا فيُطاعوا.

شاب :

- زي ما أمروا العساكر وخلّوهم يضربوا الرصاص علينا لمّا كنّا ف حارة الحاج "محمود محمد".

شاب آخر والدموع تملأ مقلتيه :

- وفينا اللي انصاب وفينا اللي استشهد.. ناس بيقولوا الشهدا خمسين وناس بيقولوا ألف.. ما حدش عارف الحقيقة فين.. بس انا عن نفسي مات لي ستّة من زمايلي ف ساعة زمن.

"حمداوي" :

- ما همّ بيلغوشوا ع العدد علشان الناس ما تهيجش.. ويرجعوا بعد كده يقولوا ما ضربناش رصاصة واحدة على أهل البلد.. طبعاً عندهم حق.. دول ضربوا مليون رصاصة مش رصاصة واحدة.

"علّام" :

- إذا كان عساكر الهجّانة بيقولوا ما ضربناش نار.. والغفر بيقولوا احنا كمان ما ضربناش نار.. أومّال مين اللي موّت الناس دي كلها وفقع عيونهم وخَرَّم جِتَتْهم بالخرطوش ده كله؟.. أمّي؟

"حمداوي" ساخراً :

- لأ وانت الصادق دول والعياذ بالله الطرف التالت.. العفاريت.. أشتاتاً أشتوت.. ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم.

"علّام" :

- طب والجنس التالت ولا الطرف التالت دوكهه هوَّ اللي بيعمل البلاوي السودة اللي ف البلد دي كلّها لوحده؟.. يعني هوَّ اللي ضرب الناس وموّتهم قدّام دوّار شياخة البلد؟.. وهوَّ اللي ضرب الناس المنصابين اللي كانوا بايتين ف الساحة ومنهم الواد "غريب" أبو عكّاز اللي قطعوا له رجله أوّل ما الثوْرة قامت؟.. وهوَّ اللي ضرب الناس اللي كانوا عايزين يعملوا حفلة تأبين للشُهدا ف النادي الزراعي اللي حاطّط بالون كبير ف المدخل بتاعه؟.. وهوَّ اللي موّت القَبَط ف الوسعاية بتاعة "كاسبيرو"؟.. وهوَّ اللي موّت الناس ف حارة الحاج "محمود محمد"؟.. طب والهجّانة بجلالة قدرها ساكتة على الطرف ده ليه بلا مؤاخذة؟.. يعني مش قادرين يمسكوه؟

"حمداوي" :

- يا عم "علّام" صحّي النوم.. بقى كل ده وما عرفتش مين هوَّ الطرف التالت.. يا راجل ما هي كل حاجة باينة زي السمس.

"علّام" :

- أللاه !.. تكونش بتتكلّم جد؟.. العفاريت؟.. ده انا كنت فاكرك بتهزّر.

"حمداوي" :

- يا نهار أبيض.. ما انا كنت باهزّر فعلاً يا عم "علّام".

"علّام" :

- أنا ما عدتش فاهم أيّتُها حاجة.

الشيخ "إبراهيم" :

- بكره تفهم يا "علّام".. الزمن مسيره يبيّن كل حاجة إن شاء الله.

شاب :

- وعقبال ما الناس تفهم ح يفضلوا ظبّاط الهجّانة يموّتوا فينا كده يا آبا "إبراهيم"؟

الشيخ "إبراهيم" :

- أومّال احنا عاملين المظاهرة بتاعة النهار ده ليه؟.. ما هو علشان نعرف راسنا من رجلينا معاهم.. ولازم المرّة دي مطالبنا تتحقق كلها.. بس انا برضه عاتب عليكم يا ابني.. أنتم بس إيه اللي خلاكم تحتكّوا بالعساكر والغفر ف حارة الحاج "محمود محمد"؟.. ما انتم عارفين إن الحارة دي بتودّي ع النقطة.. إيه اللي ودّاكم هناك؟.. أَهُم قالوا عليكم إنّكم كنتم عايزين تحرقوا النقطة وهمّ كانوا بيدافعوا عنها.. كويّس كده؟

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent