خبر
أخبار ملهلبة

الفصل الأول | للحب آلهةٌ كثيرة (2)


يد رجل تحما وردة حمراء رمزاً الحب

الفصل الأول (2)

 


وفي مساء ذات اليوْم هاتَف "كريم" "بسمة" ليطمئن عليها في مكالمةٍ طويلة انتظرتها "بسمة" في شوْقٍ ولهفة، ورغم طول المكالمة التي استغرقت حوالي الرُبع ساعة إلّا أنها مرّت عليهما وكأنها ثوانٍ معدودة وقد بدأ يطرق الحب باب جَنانيْهما بعنف ويتغلغل في شَغاف قلبيْهما ويملك مشاعرهما بشدّة ويسيطر على عقليْهما ويستحوذ على تفكيرهما بعد أن رأى كل واحدٍ منهما في الآخر الصورة التي رسمها لشريك حياته بطيْف أحلامه.

وفي اليوم التالي وما إن اجتازت "بسمة" بوّابة الجامعة حتى ظهر لها "كريم" وبعد أن حيّاها في تودّد أخرج من بيْن طيّات ملابسه وردةً حمراء أهداها لها بمناسبة شفائها فتقبّلتها في خجل وهي تكاد تطير من الفرح ثمّ سارا معاً إلى المدرّج حيث كان يحجز "كريم" مقعديْن متجاوريْن في الصف الأوّل المواجه للسَبّورة فجلسا وأخذا يتجاذبان أطراف حديثهما الذي لا ينتهي حتى وصل المدرّس الذي ألقى المحاضرة وهما يسترقان النظر لبعضهما بين الفينة والأخرى ويبتسمان متناسييْن أنهما وسط زملائهما الذين لاحظوا عليهما ما اجتهدا في إخفائه، وبعد انتهاء محاضرات ذلك اليوم افترقا بعد أن أعطى "كريم" "لبسمة" كرّاستيْ محاضرات مادة "التشريح" و"الفسيولوجي" بعد أن نقل فيهما ما فاتهما في اليوم السابق من أحد زملائه.

وفي منزلها فوجئت "بسمة" عندما فتحت كرّاسة "التشريح" الخاصة "بكريم" بمظروفٍ وردي اللون داخله ورقةٌ موجّهةٌ إليها ومكتوبةٌ بخطّه يبث فيها مشاعر حبّه تجاهها في أسلوبٍ غراميٍ جديدٍ عليها فلم تصادف ذلك الموقف من قبل، ورغم سعادتها الشديدة بهذا الخطاب إلّا أن ما تربّت عليه من أخلاق منعها من إكمال قراءته حتى النهاية فاكتفت بقراءة السطور الأولى وطوت الورقة وقطّعتها إلى أجزاءٍ صغيرة وهي تتألّم كأنها تفتّت قلبها مع الخطاب، ولم تنَم تلك الليْلة فقد أضناها السهاد وتقاذفتها الأفكار ما بين مؤيدةٍ ومعارضة لموْقفها فعقلها يؤيّده لأنه رد الفعل الطبيعي لأي فتاةٍ تحترم نَفسها وقلبها يعارضه لأنها بذلك تفرّط في أوّل حبٍّ يقتحم عليها برجها العاجي، ولم تزل مستغرقةً في تفكيرها حتى بزغت الشمس فقامت وقد اتخذت قرارها بإعلاء صوت العقل على نداء العاطفة.

وعندما تقابل الاثنان أخرجت "بسمة" كراستيْ "كريم" - الذي نظر إليها مبتسماً ابتسامةً ذات مغزى - ثمّ دفعتهما إليه في عنف وسط دهشته قائلةً له :

- شكراً يا دكتور ع المحاضرات .. وأرجوك بلاش حركات المراهقين دي .. إنت فاكرني إيه؟

- إنتي زعلتي؟ .. أنا آسف .. أنا كنت فاكر إنك بتبادليني نَفس المشاعر.

- لا يا أستاذ .. أنا واحدة متربيّة كويّس وما اقبلش قِلّة الأدب دي .. أنا كنت فاكرة إن اللي بيننا زمالة وصداقة محترمة .. أتاريك فاكرني من ايّاهم تقدر تضحك على عقلي بكلمتين فارغين.

- أبداً واللهِ .. أنا فعلاً باحبِّك حب شريف .. ومش من امبارح .. ده من أوّل يوم في الدراسة وانا معجب بيكي وقلت يمكن ربّنا رتّب اللي حصل بيننا امبارح علشان تعرفي شعوري إيه من ناحيتِك.

- وهوَّ ربّنا يرضى عن عملتك دي؟ .. ترضى حد يعمل كده مع اختك؟

- وانا عملت إيه! .. أنا عبّرت عن نَفسي بشكل واضح وصريح .. وربّنا يشهد إن حبي ليكي نبيل مش بغرض وِحِش .. خلّي بالِك انا متديّن وعارف ربّنا كويّس وما ارضاش إني أفكّر أفكار بطّالة مع اللي باتمنّى تكون مراتي ف يوم م الأيّام.

- مراتك! .. إنت بتقول إيه؟

- أنا متأسّف .. الظاهر إني نسيت نَفسي ونسيت إني مش قّد المقام .. كنت فاكر إني اقدر اعوّض الفرق اللي بيننا بالاجتهاد والحب .. بس الظاهر إني كنت غلطان .. سامحيني على تسرّعي واندفاعي ونيّتي السليمة .. واوعدِك إني ما اضايقكيش تاني .. سلامُ عليكم.

وانصرف "كريم" حزيناً تاركاً "بسمة" وقد فرّت الدموع البرّاقة من مقلتيْها الواسعتيْن فزادهما ذلك جمالاً فوق جمالهما، وودّت لو تنادي على حبيبها فتسترجعه إليها وترتمي في حضنه فقد أحسّت بصدق مشاعره وعمق عاطفته نحوها وندمت على ما كان منها ولكن سبق السيْف العذل فلن يكون بمقدورها الآن التراجع عن موقفها الذي يجب أن تتخذه أي فتاةٍ مهذبةٍ خلوق.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent