خبر
أخبار ملهلبة

"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل الرابع (3)


الأطباء والممرضات في غرفة العمليات الجراحية أثناء جراحة لأحد المرضى

"للحب آلهةٌ كثيرة" | الفصل الرابع (3)

 

 

وهدرت الأيّام تجري سريعاً وتمّ تحضير "كريم" و"عبير" للعمليّة الجراحيّة الخطيرة دون أن تعلم الأخيرة بأن الأوّل سوف يهديها كُليَته إنقاذاً لحياتها، وجاء اليوم الموعود فتم إدخال "كريم" أوّلاً بمفرده إلى غرفة الجراحة وهو يدعو ربّه أن تمر خطته على ما يرام فلم يكُن خائفاً ممّا سيجري له بل كان مرعوباً أن يُفتَضح أمره من قِبَل "عبير" أو "بسمة" فلو علمت حبيبته لتجدّد لديها الأمل في الارتباط به بعد أن أغلق هذا الباب تماماً ولو عرفت زوجته لأدركت هذه العلاقة التي سيكون اليوم هو آخرها ثمّ تتحوّل لمجرّد ذكرى، وأُعطيت "لكريم" حقنة المخدّر فراح في سباتٍ عميق ثمّ أُجريت له الجراحة بنجاح وتمّ حفظ كُليته في صندوقٍ خاص ثمّ خرج بعد أربع ساعاتٍ إلى العناية الفائقة، وجاء الدوْر على "عبير" فاستغرقت جراحتها وقتاً أطول ولكنها أيضاً أُنهيت على خير وأُدخِلت غرفةً أخرى للعناية لمتابعة حالتها الحرجة.

وبعد أسبوع كان المريضان قد نُقلا من العناية الفائقة إلى غرفتيْن عاديتيْن وقد حرص طبيبهما الدكتور "سعيد" على أن يفصلهما تماماً تلبيةً لرغبة "كريم" في عدم تعريف "عبير" بالذي تبرّع لها بكليته رغم طلبها - دون جدوى - أكثر من مرّة أن تقابله لتشكره شخصيّاً على فيْض كرمه وعظيم أخلاقه، وتحسّنت حالة "كريم" وطلب أن يعود إلى منزله فأُجيب طلبه ورجع إلى أسرته مشتاقاً إليها، وحين دق جرس الباب فتحت له "بسمة" واستقبلته وهي تكاد تطير من الفرح؛ ولكن فرحها سرعان ما انقلب إلى حزن عندما رأت زوجها وقد فقد كثيراً من وزنه ونضارته وبدت عليه أمارات الإعياء والإرهاق فعاجلت بسؤاله :

- حمد لله ع السلامة يا "كريم" .. ما لك؟ .. شكلك خاسس وتعبان .. فيه إيه؟

- ما فيش .. ما فيش .. أنا كويّس أهُه .. الحمد لله.

- كويّس إيه .. ده انت صالب طولك بالتيلة وبتتكلّم بالعافية.

- طب سيبيني اقعد الأوّل وانا احكي لِك .. همَّ العيال فين؟

- لسّه ما رجعوش م المدرسة .. طمّني عليك الأوّل.

وطفق "كريم" ينفّذ الجزء الثاني من مخطّطه المحبوك فقال لها وهو يردّد ما مكث وقتاً طويلاً في حفظه عن ظهر قلب :

- أصل انا لمّا كنت ف الصعيد كنت باشتغل كتير وما كنتش باهتم قوي بالأكل والشُرب .. باكل جبنة قديمة .. عيش .. بتّاو .. تمر .. أي حاجة .. وبعديـ....

- للدرجة دي ما عندهمش أكل! .. مع إني باسمع إن الصعيد خيره كتير .. ده انت حتى لو ماكنتش بتاكل خالص ما كنتش ح تنشف بالطريقة دي .. إنت ما شُفتش السواد اللي محلّق حوالين عينيك؟

- ما انا جاي لِك ف الكلام أهُه .. وبعدين بقى يجي لي مغص كلوي كتير .. أنا قلت م الميّة اللي كنّا بنشربها .. الظاهر ما كانتش نضيفة وعملت لي تلوّث أو أملاح .. ولمّا المغص زاد عليّ قوي رجعت "أسوان" عملت أشعات وتحاليل هناك .. تخيّلي لقيت إيه؟

- ها؟

- ورم ف حوض الكلية الشمال.

- ورم!

- آه يا ستي .. الظاهر من كُتر اللي بنشوفه مع العيّانين بقى يطلع على جتّتنا .. ههههه .. ظهر ف العيّنة إنه ورم خبيث بس الحمد لله كان صغيّر وف أوّله.

- وبعدين؟

- ولا قبلين .. دخلت العمليات وشالوا لي الكلية الشِمال بالورم اللي فيها.

- إنت بتقول إيه؟ .. كل ده وانا ما اعرفش؟

- يعني ح تعملي إيه يا "بسمة"؟

- ع الأقل ابقى جنبك ف الظروف دي.

- ما انا كنت ح اتّصل بيكي بس افتكرت العيال .. كنتي ح تسيبيهم لمين يعني وتيجي لي ف آخر الدنيا.

- أتاريك اتّصلت بيَّ من عشر أيّام وقلت لي إنك رايح ف حتة ما فيهاش لا تليفونات أرضي ولا شبكة محمول .. إخص عليك يا "كريم" .. إفرض كان جرى لك حاجة وانا بعيدة عنك .. ده انا كنت اموت .. إهئ إهئ.

- بلاش عياط بقى .. آديني رجعت أهُه زي القرد .. خلاص بقى.

- ألف حمد الله ع السلامة يا حبيبي .. تعالى ياللا غيّر هدومك ونام لك شويّة زمانك تعبان م السفر .. وانا أوّل ما العيال يرجعوا ح اكون خلّصت الغدا واصحّيك علشان ناكل سوا .. قوم ياللا .. هوبا.

وهكذا أنجز "كريم" كل ما كان يريده ويسعى إليه، أمّا "عبير" فقد عادت لها صحّتها واستغنت عن غسيل الكلى الشاق والعلاج الكثير اللهمّ بضعة أدوية قليلة وزيارة شهريّة وحيدة للدكتور "سعيد" للاطمئنان على حالة الكلية الجديدة التي أعاد صاحبها المجهول "لعبير" حياتها وابتسامتها فتحسّنت حالتها النفسيّة وزاد نشاطها ومرحها فجذبت أنظار العديد من الرجال الذين احتكّت بهم في نطاق الأسرة أو من داخل دائرة العمل أو في محيط الجيران، وحاول هؤلاء الرجال التقرّب منها أو الارتباط بها فرفضتهم جميعاً دون تفكير لأن قلبها ما زال ينبض بحب "كريم" رغم الجرح الذي ترك فيها علامةً لم تندمل بعد.

google-playkhamsatmostaqltradent