خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد شحات (1) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق

 

كاريكاتير شحات يجلس على الأرض فوق كومة كبيرة من الأموال ويمد يده: لله يا محسنين

صورة واحد شحّات (1)

 

 

الأربعاء:

اتَّصل بي الأستاذ "مَجدي مَجاميع" الريجيسير المشهور في الوسط باسم "مَـج مَـج"، وأبلغني أن المُخرج "يوسف أكشَن" طلب منه اختيار مُمَثِّلٍ شابٍّ ليقوم بدور "مُتسوِّلٍ" في فيلمه الجديد "رُد كلبي"، وأنه بدوْره رشَّحني للقيام بذلك الدوْر، فرحتُ للغاية ظنّاً مني أن الدور من الأدوار الرئيسيّة الذي تتمحور حوْله قِصّة الفيلم وسأقوم فيه باستعراض وإبراز موْهبتي الفَذّة التي أصقلتُها بتخرُّجي من المعهد العالي للفنون المسرحيّة قسم تمثيل وإخراج.

أبلغت "مَج مَج" بموافقتي على أداء الدور وطلبتُ منه إرسال ورق الفيلم لأقرأ القِصّة والسيناريو والحوار وأُذاكِر الشخصيّة لأدرس أبعادها الشكليّة والسلوكيّة جيّداً، ولكنه طالبني بالحضور لمكتبه بنفسي لأن ساعي المكتب الواد "حماده مَكَنة" راح يصلَّح الموتوسيكل بتاعه ومش فاضي يوصّل أوردرات لأمثالي، بلعت الإهانة واعتبرتُها مُزاحاً وقُمتُ من فوْري لألبِس الحِتّة اللي ع الحبل لأظهر بمظهرٍ مُشرِّف أمام الكاست.

وصلت مكتب الريجي الذي قال لي في قرف وهو يكاد أن يتقيّأ في وجهي:

-       اترِمي ع الدِكَّة دي لغاية ما افضى لك.

ومرّةً أُخرى بلعتُ الإهانة وصهينت وعدّيتها عشان ما اوقَّفش المراكب السايرة ويضيع عليَّ الدور، وبعد حوالي ساعةٍ ونِصف رفع رأسه ونظر ناحيتي وطلب مني الاقتراب منه فهرولتُ إليه فقال لي:

-       آدي ورقة الأُوردَر أهِه .. ح تروح بُكره الساعة واحدة الضُهر تقابل المُخرِج ف استوديو "جلال" اللي ف "حدايق القُبّة" .. عشان عنده تصوير داخلي هناك .. لو وافق على منظرك ده ولقاك تِنفع ف الدور ح يبقى يقول لك على ميعاد التصوير ومكان اللوكيشَن والمطلوب مِنّك بالظبط .. تخلَّص هناك وترجع لي عشان ادّيك العربون بَس تجيب بطاقتك وكارنيه النقابة معاك .. مع السلامة بقى .. ورّيني جمال خطوتك .. خلّيني اشوف غيرك.

ولم أُفلح في استخراج أي معلومةٍ أو كلمةٍ زيادة عن اللي قاله لأنه تجاهلني تماماً وانهمك في الحديث في التليفون وشاور لي بأصبعه السبّابة باشمئزاز نحو الباب قاصداً أن أغور من أمامه .. بلعتُ الإهانة من جديد وانصرفتُ في صمتٍ وأنا أُصبِّر نفسي بأنني سأُثبِت ذاتي في أداء الدور لكي يعرف الجميع أني نجم المُستقبل اللامع وحينئذٍ سأرُد الصاع صاعيْن لـ"مَج مَج".

الخميس:

دخلتُ الاستوديو وأظهرتُ الأوردر لحارس البوّابة فأدخلني، وعندما سألت أحد عُمّال الديكور عن مكان الأستاذ "يوسف أكشن" قال لي:

-       تلاقيه ده الوقتِ ف بلاتوه "كمال الشيخ" مع المُهندِس "نور الكاشف" بيظبّطوا الإضاءة بتاعة المشهد اللي جاي .. إنت عايزُه ف إيه؟

-       أصلي واخِد دور وعايزُه يشوفني.

-       نصيحة منّي ابعِد عنه الساعة دي عشان الأُستاذ مش طايق نفسه .. أحسن لك تروح للأُستاذ "تميم أسّيست" المُساعِد بتاعُه .. إسأل عليه طول ما انتَ ماشي ح تلاقيه هنا ولّا هنا.

أخيراً عثرتُ على مُساعِد المُخرِج وعرّفتُه بنفسي وبالدور الذي ترشَّحتُ له، فتمعَّن فيَّ بنظرةٍ فاحِصةٍ من قِـمّة رأسي إلى أخمص قدميَّ وقال:

-       مش بطّال .. ح تيجي الساعة اتنين الضُهر بعد بُكره ف شارع "شُبرا" قُدّام جامع "الخازندار" عشان تصوَّر المشهد بتاعك.

-       يعني ده أوِّل مشهد ليَّ ف الفيلم؟

-       نعم يا خويا!! .. إنت دورك واحد بتشحت قُدّام الجامع بَس .. هوَّ شوت واحد وخلاص.

فصُدِمتُ صدمةً كُبرى وأطرقتُ حزيناً بُرهةً من الوقت واختنقتْ العَبَرات في صدري وأنا أقول:

-       كومبارس يعني.

ويبدو أن الأُستاذ "أسّيست" شعر بمأساتي فحاول مواساتي قائلاً:

-       وما له يا سيدي .. ما لك زعلت كده؟

-       أنا خرّيج معهد الفنون المسرحيّة يا أُستاذ .. ده انا كُنت من أوائل الدُفعة.

-       وإيه يعني .. ما كل نجوم السيما ابتدوا كده .. ده انت تِحمِد ربّنا إنك ح تبتدي كومبارس ناطق مش صامِت.

-       يعني فيه حوار؟

-       هُمّا كلمتين وبَس اللي ح تقولهم: " حَسَنة لله".

فأطرقتُ حزيناً من جديد ممّا جعل الرجُل يُكمل كلامه:

-       يا بني لازِم تتعلِّم إن ما فيش دور صُغيَّر ودور كبير .. فيه مُمثِّل صُغيَّر ومُمثِّل كبير .. لازم تجتهد وتستحمل صعوبات البداية.

-       طب مُمكِن آخد نُسخة من الورق.

-       ورق إيه يا حبيبي ما تزهَّقنيش بقى .. إحنا فاضيين نطبع ورق ونوزَّعُه ع الكومبارس كمان!

وهُنا أطرقتُ حزيناً مرّةً ثالثة فصعبت ع الأُستاذ فقال:

-       يا دي النيلة .. خلاص يا سيدي ح اريّحك .. أنا ح احكي لك قِصّة الفيلم باختصار .. بقى بطل الفيلم النجم "جان إدوار" بيربّي في الفيلم كلب من نوع "المالطيز" المالطي .. قوم الكلب ده خرج من جنينة الفيللا ونَط ف عربيّة الزبالة .. والعربيّة مشيت والكلب فيها .. والبطل صاحب الكلب عرف الحكاية دي لمّا راجع كاميرات الفيللا بعد ما الكلب اختفى .. فالبطل راح لشركة الزبالة اللي دوَّرت عليه وما لقيتهوش ف العربيّة بعد ما جرَّجت ف الجراج .. فقالوا له إن الكلب مُمكِن يكون نط م العربيّة وهيَّ ماشية ف أي حِتّة .. فبطل الفيلم ح ياخد أجازة من شُغله وينزِل يلف ف شوارع "القاهرة" كلّها يدوّر على كلبه .. وأثناء بحثه ف المناطق الشعبيّة ح يقابل أنماط مُختلِفة ونماذج مُتناقضة من البَشَر .. وده ح يوقَّعه في مشاكل ومغامرات تخلّيه يتعرّف على دنيا تانية ما كانش يعرف عنها حاجة لإنه كان مُنغلِق على نفسه بين بيته ف "الشيخ زايد" وشُغله ف "تريومف مصر الجديدة" .. ومش ح اقدر اقول لك أكتر من كده عشان ما احرقش الفيلم.

-       كتَّر خيرك يا أستاذ .. صدَّقني عُمري ما ح انسى وقفتك جنبي لمّا ابقى مُمثِّل كبير إن شاء الله.

-       ابقى قابلني.

-       نعم؟!

-       آآآ .. آآآآآ .. قصدي ابقى قابلني بعد بُكره ف اللوكاشن .. بَس على فِكرة .. لازم تيجي وانت متمكيج ولابس هدوم الشخصيّة.

-       آه طبعاً .. ح ابقى اشوف هدوم قديمة البِسها .. بَس بالنسبة للمكياج: مش فيه ماكيير ف الفيلم؟

-       عايزين هدوم مقطّعة ومرقَّعة .. والمكياج سهل: ح تسيب دقنك اليومين دول ومش ح تستحمّى ولا تغسِل وِشّك وتظبَّط نفسك م التُراب والطينة اللي ح تبقى ف الشارع يوميها .. أصل الماكيير مش ح يبقى فاضي للأشكال اللي شبهك دي.

وأطرقت حزيناً لآخر مرّة قبل أن يتركني المُساعِد متأفِّفاً من منظري، واضطررتُ أن أبلع هذه الإهانة أيضاً ولكني كُنتُ مُفعماً بالأمل والرجاء من أجل حفر اسمي في الصخر حتى أصير كوْكباً في عالم الفن.

جلستُ داخل الاستوديو بعض الوقت لأتعوَّد على أجواء التصوير، ثم رجعتُ للأُستاذ "مَج مَج" كما قال لي فأعطاني عربوناً قدره مائتيْ جنيه على أن يمنحني مائتيْن أُخرى بعد التصوير، ورغم أنني عرفتُ بالصًدفة أثناء وجودي بالاستوديو أن الكلب (أو بمعنى أصح صاحب الكلب) قد تقاضى مائة ألف جنيه إلّا أنني وضعت المبلغ في جيْبي حامِداً ربّي لأني كُنت ع الجَنط وليس معي سوى سبعة جُنيْهاتٍ لأُكمِل بها الشهر. 



(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent