خبر
أخبار ملهلبة

"أرواح بلا قبور" | الطيْف المجهول (2)


صورة فوتوغرافية لامرأة جميلة وفي خلفيتها السوداء تظهر عينان مرعبتان لشبح أو عفريت

"أرواح بلا قبور" | الطيْف المجهول (2)

 

 

وكانت هواجس "صفاء" ومخاوفها في محلّها فلم يمضِ أسبوعاً حتّى وصلها الخبر المشؤوم فقد تُوفِّـي "هيكل" غرقاً أثناء عوْمه في مياه البحر الغادرة خلال وقت راحته، وأُصيبت "صفاء" بانهيارٍ عصبي استدعى دخولها مصحّةٍ عقلية للتداوي والنسيان فمكثت هناك حوالي الشهر ثمّ خرجت وهي ذابلةٌ تذوي وقد اتّشح قلبها بسواد الحزن ودُهْمَة الفراق.

ورغم غياب "هيكل" عن طرف بصرها إلّا أنّه لم يغِب عن خاطرها وحواسّها فكانت تشتمّ رائحته الزكـيّة وتسمع صوت أنفاسه تتردّد مع أنفاسها وتراه في منامها كل يوْمٍ وهو يبثّها الغرام ويبادلها القبلات، وفسّرت تلك الظواهر بأنّها تهيّؤاتٍ وتخيّلاتٍ نتيجة تعلّقها الزائد بحبيبها خاصّةً أنّها ما زالت تتلقّى علاجاً نفسيّاً مستمرّاً، ولكنها لم تستطِع أن تفسّر ما كان يحدث غير ذلك؛ فعندما تكون وحدها في الليْل كانت تسمع صوْته يهمس في أذنها بوضوح بعبارات الحب والهيام والغزل وإذا تلفّتت حوْلها لا ترى شيْئاً سوى الفراغ، وعندما كانت تحلم به كانت تصحو فتجد الأغطية قد انكشفت عنها وأن ملابسها قد خُلِعت منها، وكانت عندما تستحم تشعر أن يداً تلامس جسدها، فخجلت من أن تروي لأحدٍ - حتى أمها - ما كانت تشعر به في نومها وصحوها، واعتادت "صفاء" على تلك الوساوس والهلاوس بل صارت ترغبها وتستمتع بها فهي السبيل الوحيد لإرواء عطش شوْقها لحبيبها المفقود.

ومضت الأيّام وظهرت نتيجة الثانويّة ثمّ التنسيق فالتحقت "صفاء" بكليّة الهندسة التي طلبت إدارتها من جميع الطلبة المستجَدّين صوراً فوتوغرافيّةً شخصيّة لإرفاقها بأوْراق ملفّاتهم، فذهبت "صفاء" لأحد المصوِّرين فالتقط لها الصور اللازمة ووقعت مفاجأةٌ غير متوقّعة؛ فعند تسلّمها للصور فوجئت بالمصوِّر يطلب منها التصوير مجدّداً مرةً أخرى لأن شريط التصوير (الفيلم) قد احترق دون سببٍ واضح فرضخت "صفاء" لطلب المصوِّر فأعاد تصويرها بكاميرا خاصّة ذات حساسيةٍ عالية وعندما تم طبع الصور ظهر في خلفيّة الصور طيْفٌ شاحبٌ على هيئة عينيْن سوْداويْن تلمعان بجوارها فأعادت التصوير مرّةً ثالثة فتكرر ما حدث فاضطر المصور إلى قص حدود صورتها فقط ووضْع خلفيّةً بيضاء ورائها ثمّ تصوير حدود الصورة والخلفيّة البيْضاء بكاميرا أخرى لتظهر الصورة  كباقي الصور العاديّة، وقد مرّ ذلك الأمر دون أن يستطيع أحدٌ تفسير ما حدث رغم تكراره في كل صورةٍ التقطتها "صفاء" وحدها أو مع زملائها ممّا دعاها إلى الابتعاد عن التصوير في الرحلات أو الاحتفالات كلّما أمكنها ذلك.

وبعد أربع سنوات لم يبتعد فيها شبح "هيكل" عن خيال "صفاء" صمّم خالها على أن يخطبها لأحد أبناء معارفه تمهيداً لزواجها ولحاقها بقطار الحياة الذي لابد له أن يمضي دون توقّفٍ على عزيزٍ مفقود أو حبٍ ضائع فالدموع رغم أنّها تريح القلب إلّا أنها لا تغيّر الواقع ويجب على "صفاء" أن تستبدل حبّها القديم بآخر ينسيها ما فات دون أن تشعر؛ فالنسيان نعمةٌ ورحمة من الله تعالى والإنسان لديْه القدرة على نسيان أي شيء إلّا الشيء الذي يتفرّغ جاهداً لنسيانه، وأذعنت "صفاء" لأمر خالها وهي تحس بالذنب لدرجة أنّ شبح "هيكل" تملّكه الغضب وانتابته الغيرة فأصبح غاضباً يتشاجر معها ويلومها على خيانتها له وتوقّف عن مغازلاته لها ومداعباته معها سواء في وقت المنام أو اليقظة.

وتمّت الخِطبة في موْعدها المحدّد رغم بعض المعوّقات التي وقفت في طريق إتمامها كاحتراق فستان الخطوبة وضياع دبلة "صفاء" من علبة الشبْكة الذهبيّة وإلغاء قاعة الأفراح "بالمنصورة" لحجز حفل الخطوبة قبل موعده بيوْمٍ واحد بسبب انهيار مفاجئ لسقفها وإنهاء الحفل الذي عُقِد في منزل أهل العريس بقريتهم "ميت مزّاح" مبكّراً بعد أن وقع ماسٌ كهربائي في القرية كلّها أعزى البعض سببه إلى الحِمْل الزائد على شبكة الكهرباء بسبب أنوار الزينة الكثيرة المعلّقة داخل وخارج مكان الحفل.

وفي نفس ليْلة الخِطبة وقبل الفجر بساعة استيقظ العريس في منزله على رنين هاتفه المحمول معلناً عن رسالةٍ كان نصّها كالتالي :

"لو سمحت يا محمود تعالى لي حالاً عند كوبري البحر الصغيّر ده الوقت قوام قبل الفجر ما يدّن.. أرجوك فيه حاجة مهمّة قوي عايزة أقولها لك ما تستنّاش للصبح.. صفاء".

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent