خبر
أخبار ملهلبة

صورة واحد وزير (2) | صور مشقلبة | د. أحمد صادق


بائع قلل يبيع قلة لمواطن ليكسرها وراء وزير

صورة واحد وزير (2)

 

 

الإثنيْن:

لم يصلني حتى الآن توجيهاتٌ أو تكليفاتٌ من السيّد رئيس الجمهوريّة، فقرَّرت تكريس مجهودي وطاقتي في إنجاز وإنهاء المرحلة السابعة عشر من "كاندي كراش" ولكنني فشلت فشلاً ذريعاً.

الثلاثاء:

في انتظار أي مكالمةٍ أو خبرٍ من فشاخة الرئيس.

الأربعاء:

ما زلت في الانتظار.

الخميس والجمعة والسبت:

أجازة.

الأحد:

أخيراً وبحمد الله تعالى وفضله استطعت تجاوز المرحلة السابعة عشر الصعبة ودخلت على المرحلة اللي بعدها، ليس هذا كل الإنجاز فحسب ولكني أيضاً حصلت على ثلاث قطع من حلوى السُكَّر وقطعتيْن من السكاكر الشقيّة وقطعة واحدة من الشوكولاته المجنونة .. الحمد لله الذي بنِعمته تتم الصالحات.

الإثنيْن:

أيوه كده، بدأت الشُغل خلاص، اتصل بي مدير مكتب الرئيس وأمرني بالتوجّه إلى المطار فوْراً لأن الرئيس يطلبني في أمرٍ هام، فهرولتُ سريعاً للمطار ودخلت من باب قاعة كبار الزوّار – بعد جدالٍ مرير مع حرس الرئيس لأنهم لا يعرفونني كوزيرٍ جديد – لأجد الرئيس وسط باقي الوزراء وهم جميعاً في انتظار استقبال رئيس وزراء دوْلة الـ"باربادوس" الديمقراطيّة والوفد المُرافِق له.

وصل رئيس الوزراء الباربادوسي، وبعد أن استقبله الرئيس في مراسمٍ رسميّةٍ اصطحبه ليُصافح طابور الوزراء (وكنت في منتصفه)، وأخذ الرئيس يُقدِّم كل وزيرٍ لضيْفه ولكنه عندما وصل عندي لم يُعرِّفني للضيْف بل سألني وسط إحراجي الشديد حتى أصبح عَرقي مَرقي:

-       إنت وزير معانا ف الحكومة؟!!!

فأجبتُه وأنا ف نُص هدومي:

-       أيوه معاليك .. أنا وزير الصناعة.

-       إحنا عندنا صناعة؟ .. قصدي عندنا وزير صناعة؟ .. مش الوزارة دي أنا لغيتها من سبع سنين؟

-       تقريباً يا فندم .. بس فخامتك رجّعتها تاني من سنتين.

-       طيّب طيّب .. تعالى كده على جنب .. وَسَّع.

دار هذا الحوار دون أن يعرف فحواه الضيْف الذي ظلَّ واقفاً كالأطرش ف الزفّة، ولكنه في النهاية صافحني قائلاً:

-       ويلكوم مِستر "وَسَّع".      

.. يا دي الكسوف.

الثلاثاء:

ما زلت في انتظار أي توْجيهٍ من الريّس، وما زلت في المرحلة الثامنة عشر.

الأربعاء:

قتلاً للوقت وإنهاءً للملل قُمت بالمرور الفُجائي على الموظّفين، وأعطيْتُ مدير شؤون العاملين قائمةً بأقاربي ومعارفي ومعارف معارفي الذين طلبوا مني أن أُعيِّنهم في الوزارة فوعدني بتعيينهم فوْراً بمرتَّباتٍ مُجزية، ثم خرجتُ من الوزارة على شركتي الخاصّة وعقدتُ جلسة عملٍ بيني كوزير وبين نفسي كصاحب الشركة، وفي نهاية الجلسة اتفقتُ معي على أن تستوْرد الشركة بعض المُعَدّات والآلات الصناعيّة وتورِّدها للوزارة من أجل تجديد جزءٍ من المصانع والوِرَش التابعة للوزارة على أن تتم اتفاقاتٌ أُخرى بين الشركة والوزارة في القريب العاجل، ووقّعت بالإمضاء في خانة الطرف الأوّل (الوزير) ومرّةً أُخري في خانة الطرف الثاني (صاحب الشركة)، وأخذتُ العقود وأرسلتُها رسميّاً لعرضها على مجلس الوزراء حتى يتم التنفيذ وأهو "جُحا" أوْلى بلحم توره.

الخميس والجمعة والسبت:

أجازة.

الأحد:

في انتظار رد مجلس الوزراء على الصفقة التي أبرمتُها مع نفسي، وكذلك في انتظار أي إشارةٍ من الإصبع الصغير لقدم الرئيس لأفعل أي شيء في أُم الوزارة الفقر دي.

الإثنيْن:

اتّصل بي رئيس الوزراء وعنَّفني بشِدّة عندما وصلته العقود، وأبلغني أن سيادة الرئيس لا يقبل مُطلقاً بأن يوافق على أي صفقاتٍ بها شُبهة تربُّحٍ أو فسادٍ ما لم تُرصَد له نسبةٌ كافيةٌ من الأرباح، وعليه فلا يُمكِنني إنهاء الصفقة مع نفسي إلّا بعد توْريد نصف أرباح الصفقة للرئاسة على أساس إن طبّاخ السِم بيدوقه وإن لُقمة هنيّة تكفّي ميّة وفيها لاخفيها.

الثلاثاء:

قابلتُ مندوب صحيفة "الحقيقة العارية"، وأجرى معي حواراً بالغ الأهميّة حيث أطلقتُ العديد من التصريحات الإعلاميّة حول إنجازات الوزارة وتطوُّر العمل بها تحت إشرافي ودعَّمتُ كلامي ببعض الجداول الاستقصائيّة والرسوم البيانيّة التي أعدَّتها الإدارة العامّة للإحصاء بالوزارة، كما وعدتُ المواطنين بأنهم سيروا العَجَب العُجاب بعد إحداث طفرةٍ هائلةٍ في مجال الصناعة في غضون شهورٍ قليلةٍ ستقلب الأمور رأساً على عقب وستُغيِّر موازين القوى في مجال الصناعة العالميّة بحيث يتفوّق وطننا الحبيب على "اليابان" و"ألمانيا" و"أميريكا" و"ترانسنيستيريا".

الأحد:

مرّت سبعة شهورٍ على تولّي منصب الوزير وأصبحتُ أفيونة الريّس، فهو لا يذهب في أي زيارةٍ إلّا ويأخذني في ذيله، لو كان في جوْلةٍ ميْدانيّةٍ لأي مكانٍ يصطحبني معه، لو سافر في زيارةٍ خارجيّةٍ أسافِر معاه، لو حضر نهائي بطولة ماتش كورة يقعَّدني جنبه، لكنه لا يُكلِّفني بأي أعمالٍ خاصّةٍ بوزارتي مش عارف ليه؟        

السبت:

تحرُّكاتٌ مريبةٌ حوْل فيللتي هذا المساء، شالوا كُشك الحراسة وفتحوا الشارع للناس .. يا ترى فيه إيه؟!!

الأحد:

صحيت على مكالمة جوز اختي يُبلغني فيها أنه شاهد رئيس الوزراء في أخبار الصباح وهو يُعلِن عن إجراء تعديلٍ وزاريٍ محدود يشمل وزراء الإعلام والتموين والسياحة والصناعة أيضاً، خنقتني الدموع وأنا أسأله عن السبب فلم يُزِد سوى بكلمتيْن اثنتيْن فقط: شُبهة الفساد.

ارتديْتُ ملابسي وهُرِعتُ مُنطلِقاً للوزارة بتاكسي "أوبر" لأن جميع السيّارات التابعة للوزارة اختفت من أمام بيْتي حتى أن السائق الخاص لسيّارتي لم يرُد على مكالماتي المُتكرِّرة، وما إن وصلتُ حتى منعني أفراد أمن البوّابة من الدخول بناءً على تعليماتٍ مُشدَّدةٍ من الوزير الجديد.

أُسقِط في يدي وانسحبتُ من أمام الوزارة وأنا أجُـر أذيال خيْبتي، وأثناء عبوري للشارع شاهدتُ الحصان إيّاه وهو في طريقه لدخول الوزارة للرقص في حفل استقبال الوزير الجديد: "سمير قُرني"، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون. 

google-playkhamsatmostaqltradent