خبر
أخبار ملهلبة

مصر على كف عفريت (2) | جلال عامر


كاريكاتير عن الشرق الأوسط اللي على كف عفريت

مصر على كف عفريت (2)

 

 

الأستاذ فاروق الأول

 

كان الملك فاروق يسمح لنا نحن أهل حي بحري في الإسكندرية بالدخول إلى الحديقة و شاطئ قصر رأس التين. بل كان أحيانا، خاصة في ليالي رمضان، يتعطف و يرسل إلينا في الحديقة طعاما و حلوی و فرقة موسيقية لتعزف لنا. و عندما انتقل الإشراف على الحديقة من الأستاذ فاروق الأول إلى صاحب الجلالة المعظم رئيس الحي، أصدر جلالته "دیکارتو سلطاني" بمنع الناس من الدخول. و كانت إسرائيل تحتل شاطئ القنال، و كنت أنا و زملائي الضباط نتل و نستحم فيه، و عندما احتلت محافظة الإسكندرية الشاطئ أصبح من المستحيل أن نفعل ذلك، فمباني و نوادي المحافظة أقوى من خط بارليف.

منذ عشر سنوات و أنا جاهز و أرتدي المايوه و أبحث عن ثغرة في البحر لأقفز فيها، فلا أجد. و الحقيقة أن المحافظة تحاول أن تعوضنا من فترة إلى أخرى بنقل البحر إلى شوارعنا عن طريق طفح المجاري، لكن الناس ترفض فتصعد المجاري في إصرار وراءنا في منازلنا عارضة خدماتها، و تصر الناس الطماعة على الرفض. أحد هؤلاء الرافضين، الذين لا يعجبهم العجب، قال إنه صابر لأن عنده أملا في مجي "تسونامي" ينقل إلى منزله أمواج البحر.

 

کیلو هريسة

 

الأحكام العامة خاطئة؛ لذلك فإن رجال الأعمال ليسوا كلهم لصوصا بدليل أن بعضهم "شيوخ منصر"، و بعضهم شيوخ تليفزيون، و علينا أن نفرق بين العصامي و الحرامي. يقول أحدهم إن أمه ماتت و تركت له نص کیلو هريسة و استطاع أن يكبره و ينميه حتى تحول إلى مصنع يعمل فيه آلاف العمال، و أن خط الإنتاج عنده يفوق الآن "خط الصعيد". و الغريب أن أمثال هؤلاء تحملهم الحكومة ثلاثة أرباع خطة التنمية على أساس أن الربع الباقي لأعمال السنة و درجات الشفوي.

و هذه الرأسمالية كدست الأموال ولم تكدس المعرفة، يقول أحدهم إن والده عندما مات توفي، و هي إضافة جديدة لم نكن نعرفها، أن الإنسان عمدما يموت يتوفي .. في بلدنا جهاز مرکزي للشركات و أمن مركزي للمظاهرات، لكن تم إلغاء التخطيط المركزي من أجل هؤلاء. حقا لكل زمان دولة و رجال أعمال. فقد اختفى نموذج "طلعت حرب" و ظهر نموذج "طلعت روحنا".

 

فيلم خيالي

 

كان لي قريب من طراز غریب، استمرت خطوبته سبع سنوات و استمر زواجه ثلاثة أشهر. كنا نشاهد فيلما خيالية تطير فيه رأس البطلة لتستقر فوق رقبة البطل ثم تطير رأس البطلة لتستقر فوق رقبة البطل، ثم يطيران مع في الفضاء و يبعدان القمر من مساره و الشمس من مكانها و هما يشربان كازوزة، فيترك قريي كل هذه الأمور الغريبة، و يعترض على الكازوزة؛ إذ كيف -من وجهة نظره - يشربان كازوزة في عز البرد؟ ترك الرقاب و الطيران و الشمس و القمر و اعترض فقط على الكازوزة. قريي هذا وصلته أنباء غير سارة أثناء سفره عن زوجته، و اكتشف أنها تعمل في كازينو بدون علمه و تصادق من لا يرضى عنهم و تدخل المنزل بعد نصف الليل، فلم يعترض إلى أن جاء يوم رآها فيه تشرب كازوزة في عز البرد، فظن بها الظنون و طلقها.

قريبي هذا كان يترك ما هو مهم و خطير و يعترض فقط على الكازوزة حتى ضاع هو شخصية في الكازوزة، ولم يتبق من ذكراه إلا تلاميذه الذين يتركون كل هذه الانتهاكات السياسية و الدستورية، و يعارضون في أشياء صغيرة و باردة مثل الكازوزة.

 

كامتشو

 

نشر صديقي أحد عشر إعلان في الصحف لبيع كلب نادر اسمه "كامتشو" و أجرى مئات الاتصالات التليفزيونية، و علق إعلانات على الحوائط و توجه إلى مراكز متخصصة، و لم يتقدم أحد حتى الآن لشراء الكلب. و هو ما يؤكد عبقرية الحكومة التي تعثر على المشتري قبل أن تعلن عن البيع، بل دون أن تعلن؛ إذ يظهر اسم المشتري قبل اسم المصنع أو البنك أو معه في نفس الوقت. كيف وصلت الحكومة إليه دون إعلان و كيف عرف هو بنية الحكومة في البيع، لغز لا يعرف أحد إجابة له! هل هناك مغارة أو محمية طبيعية تتحفظ فيها الحكومة على هؤلاء المشترين؟ أم أن الأمر يخضع لقواعد اللغة العربية في النصب؟

إن مشكلة الحكومة لن تنتهي إلا بانضمامها إلى عالم الشفافية، و مشكلة "كامتشو" لن تنتهي إلا بانضمامه إلى وحدات القطاع العام.

 

المربع الذهبي

 

عبارات مكررة و تتغير كلمة واحدة، إذا باعت الحكومة مصنعا قالت: "مع حفظ حقوق العاملين". و إذا باعت بنكا قالت: "مع حفظ حقوق المودعين". و إذا باعت التأمين الصحي قالت: "مع حفظ حقوق المنتفعين". أفكر من الآن في العبارة التي ستقولها الحكومة عندما تبيع شبكة الصرف الصحي.

 

معتدل

 

الحقيقة أن الحزب الوطني يعبر عن نبض رجل الشارع تمارة، و يعبر عن شخيره لي، و إذا لم يستطع أن يغير في الأفعال فليغير في الأقوال، فمنذ آلاف السنين و نحن نؤكد أن موقع مصر ممتاز و مناخها معتدل و خطاب السيد الرئيس تاريخي، فمن باب التغيير لماذا لا نقول أن موقع مصر تاريخي، و مناخها ممتاز و خطاب السيد الرئيس معتدل؟ خاصة و أننا كنا زمان دولة معتدلة في المناخ و أصبحنا دولة معتدلة في السياسة و على رأس مجموعة الدول غير منحازة لغير أمریکا. دائما نمر بمنعطف و كأننا نركب عربات الملاهي، دائما الظروف حساسة و الانتخابات نزيهة و الأوضاع مستقرة. لماذا لا تكون الظروف مستقرة و الانتخابات حساسة و الأوضاع نزيهة؟ لماذا دائما نطلب قهوة و نشرب شايا؟ تؤكد "الحكوميات" أن سيادته لا يشغله إلا محدود الدخل، فيظن محدود الدخل أن سيادته حاطه في دماغه و سوف يسعده. و تؤكد " المعارضات" أن سيادته لا يشغله إلا محدود الدخل فيظن المحدود أن سيادته حاطه في دماغه حتى يذله و يشته، و كلاهما متطرف؛ بل أن البعض يؤكد أن سيادته لا يشغله محدود الدخل أصلا؛ بل إن محدود الدخل هو المشغول بسيادته في التأييد و المبايعة. و التغيير في الكلمات هو سنة الحياة، فمصر كانت أم البلاد و أصبحت أم الفساد. و هو ما دفع رجل مثل السكرتير العام للأمم المتحدة أن يمتنع عن زيارة مصر خوفا من أن يبيعوه، لأ اسمه "بنكي مون" و يفكر أن يغيره قبل الزيارة إلى "عوضين" حتى إذا باعوا عوض يبقى للأمم المتحدة عوض. عليه العوض.

 

مواطن و مخبر و حرامي

 

لا يمر يوم إلا و يسقط مصريون شهداء في ساحة الوغى في الخطوط الأمامية في الجبهة على أرض البوليس أو داخل مربع العمليات في التخشيبة، مطلوب قوات دولية في دارفور و في غرفة المأمور. هذه الحوادث تؤكد أن هناك خللا في المواطن المصري؛ إما أنه يحمل وجها مستفزة أو أنه مثل أسماك التونة عندما تقترب نهايته يهاجر بالغريزة ليموت في غرفة المأمور، فيقطع آلاف الأميال البحرية حتى يصل منهكا إلى أرخبيل الملأمور و يفارق الحياة هناك. طبقات المجتمع ثلاث، مواطن و مخبر و حرامي، و المخبر يقهر المواطن لصالح لصوص الوطن. و المواطن و المخبر سواء أمام الدستور لكن ليس أمام المأمور؛ إذ تضع لائحة الشرطة قفا المواطن و ديعة في يد أخيه المخبر، و تلزم المواطن أن يكتب وصيته قبل أن يدخل باب القسم. في احتفالات الشرطة تستعرض أمام المسئولين فنون القتال و الاشتباك مع المجرمين ثم مع المواطنين العاديين من أول خلع الملابس و الجلد و الصعق حتى مصرع المواطن و تسليمه لحانوتي القسم، لكن يهون علينا أن من لم يمت بالمخبر مات بغيره، و أصبح المصريون لا يلقون بالحجارة إلا على مكانين: على الشيطان في الحج، و على الشرطة في الأقسام. فيا أخي المخبر و يا أختي المخبرة اتقوا الله فينا و تذكروا أن كل واحد فيكم له أخ و أخت و قفا.

 

مؤتمر سمسم

 

المؤتمر العام للحزب الوطني هو مؤتمر "سمسم" تبدأ وقائع المؤتمر بأن يعطس أحد كوادر الحزب فيسأل الأمين عن مين العاطس الباغي، فيقسم الجميع أنهم لم يعطسوا فيتم التوصل إلى قرار تاريخي بأن هناك أحد في المغارة. هذا العام تقرر تغيير الصراخ ليكون "حديد-اسمنت--سيراميك أسمدة زيوت" أحمدك يا رب. و بعد إعادة توزيع التوكيلات يبدأ الأعضاء في الحديث ليؤكدوا أنهم مع طهارة اليد و ضد طهارة الإناث، و أهم لن يفرطوا في هذا الوطن الذي رزقهم الله به بعد مشقة. و أنهم سوف يعمقون الديمقراطية بحفر الشوارع الرئيسية. ثم يتحدث مسئول الشباب و يؤكد أن الناس الكبيرة بركة، و أنه يطلب تعدیلا يسمح لهم بالقيادة حتى بعد الوفاة. في ختام المؤتمر تقدم التورتة على شكل خريطة مصر و تسمع من يقول "اعملوا حساب اخوانكم الربانين". البعض يؤكد أن "سمسم" سيكون أعظم من "کرکر" و سيقضي على مشكلة العطش بتوزيع المياه المعدنية على الحاضرين؛ بل سيحدد ملامح مصر لعدة قرون و حوافر قادمة. أخي المواطن قاعد ليه؟ روح یا قاسم جرّب بختك.

 

إعلام عم عوض

 

في العاشرة من صباح الاثنين 5 يونيو 1967، ارتديت الزي العسكري لطلبة الثانوي (الفتوة و توجهت إلى مدرستي. في الطريق إلى المدرسة كانت طائرات إسرائيل تتساقط عبر الأثير و كان عددها يتزايد و أنا أنتقل من شارع إلى شارع، و عندما وصلت إلى باب المدرسة فكرت في الرجوع؛ فقد كان سلاح الجو الإسرائيلي تقريبا انتهی و سقط، و بالتالي لم يعد أحد في حاجة إلى مجهودي، لكن منظر الطلبة المحتشدين أمام المدرسة أغرابي بالبقاء، كان عم عوض فراش المدرسة يجلس أمام باب المدرسة المغلق – فقد كنا في أجازة - ولا يسمح بالدخول إلا لمن يدفع بريزة، كان يصرخ: "قرب.. قرب، وقع طيارة إسرائيلي ببريزة". كان الطالب يدفع البريزة و يخرج بعد دقائق و يعد عم عوض وراءه "۱۱۲" و يدخل طالب آخر و يعد عم عوض "۱۱۳ طيارة" و هكذا. كان ابن عم عوض في حوش المدرسة يطير طيارة ورق سوليفان عليها علم إسرائيل، و من يدفع بريزة يلقي عليها حجرا و هو و بخته فقد تقع الطيارة و يعد عم عوض وراءه "114". في حرب أكتوبر کنت قائدا لإحدى السرايا عندما تغير الإعلام العسكري و صحح أوضاعه، لذلك انتقل إعلام عم عوض إلى مجالات أخرى. يقول عم عوض بناء مليون شقة للشباب. مليون و واحد مليون و اتنين و.... توفير نصف مليون فرصة عمل للشباب. نصف مليون و واحد.. و اتنين.. و تلاتة.. و عم عوض جالس على باب المدرسة المغلق يعد وراء الخارجين. استصلاح ربع مليون فدان. ربع مليون و واحد. و اتنين، و تلاتة. و ابنه في حوش المدرسة يطير الطيارة الورق و يملي عليه النتيجة (الطالب دة وقع الطيارة. الطالب دة بني شقة. الطالب دة استصلح فدانا). أربعون عاما على يونيو و عم عوض ينتقل بإعلامه من مجال إلى مجال، و الحال هي الحال و الحقيقة خلف الباب. قابلني زميل قديم ممن أو قعوا الطيارة و أخبرني أن عم عوض مات و ابنه أصبح رئيسا لتحرير إحدى الصحف الحكومية.

 

مصلحة النفي العام

 

أكثر أقسام وزارة الداخلية نشاطا و حيوية هو "مصلحة النفي العام" و هي ثلاثة أفرع فرع "لم" لنفي الماضي، و فرع "لا" لنفي الحاضر، و فرع "لن" لنفي المستقبل. و "مصلحة النفي العام" تسارع إلى نفي أي حادث أو واقعة أو مسئولية لرجال الشرطة، و على طريقة الأمن الوقائي يتم النفي أحيانا قبل وقوع الحادث أو الواقعة، و هي قدرة ترجع إلى استخدام المصلحة لتكنولوجيا الاستشعار عن بعد. و قد تمر أيام دون حوادث لكن مصلحة النفي العام أو الموت الزؤام لا تتوقف عن إطلاق (لم و لن و لا) في الجو، إذ ربما تكون هناك شائعة تمر أو حادثة تقع فمن باب الاحتياط يلزم وجود مجموعات نفي تغلف سماء الوطن و تنفي أي واقعة في مهدها و قبل أن تقع. و مصلحة النفي العام قد تستعين ببعض السادة اللواءات المتقاعدين الذين تصادف أن يكون تقاعدهم في التليفزيون لرسم صورة وردية لكل واقعة تعذيب، و هي صورة تشجع السياحة الداخلية عن طريق إغراء الناس بقضاء إجازاتهم و أيام العيد في التخشيبة. أما الصحف الحكومية فتكاد تخرج عن حدود العقل في رسم صورة مركز شرطة كوكب عطارد: ضابط يتبرع بدمه لإنقاذ قطة - أمين شرطة يترك شقته لأطفال الشوارع - مخبر يبكي و هو يحرق مواطنا - مواطنون يتبرعون لبناء تخشيبة مركزهم. قابلت كثيرين من رجال الشرطة الشرفاء و قد همسوا لي أن هؤلاء المتقاعدين في التليفزيون لا يتبعون الشرطة؛ بل يتبعون القوة التنفيذية و يبقى الأمل في هؤلاء الشرفاء أصحاب الثوب الأبيض و القلب الأبيض و اليد البيضاء، و أرجو ألا تسارع "مصلحة النفي العام" إلى نفي وجودهم.

 

 

(يتبع)

google-playkhamsatmostaqltradent