خبر
أخبار ملهلبة

مهرجان "الشونة" السينمائي "بأبو المطامير" – "بحيرة" | تحت شعار "البني آدم والكابوس"


نجمات السينما المصرية بجوار فلاحات مصر

ابن أبي صادق

مهرجان "الشونة" السينمائي 

 

 

حدّثني الحكيم "ابن أبي صادق" .. وهو ببواطن الأمور عالمٌ حاذق، أن بلاداً عجيبة .. أمورها غريبة، قد تمكّنت منها بعض العادات .. المليئة بالاختلافات والتناقضات، حتى اسم هذه البلاد .. يثير عجب العباد، فكان اسمها جمهوريّة "رَصْم" .. وهو في حد ذاته طِلَسْم، فليس له معنى .. ولا يشير لأي مغزي، وبالرغم من أن أغلب شعب "رصم" فقير .. إلا أن عدد المليونيرات فيها كثير، وترى الواحد من هؤلاء الرصميّين يشكو الفاقة .. رغم أنه دفع لخط تليفونه عشرات الدراهم لتجديد الباقة، ولا تتعجّب لو رأيت كثيراً منهم لا يحب العمل .. ثم يعود ليشكو لطوب الأرض من قِلّة الرِزق وضياع الأمل، حتى أن والي البلاد ما زال يكرّر على أسماع شعبه الغير سوي .. أن لا أحد – غيره – قد صارحهم بأنهم "فقرا قوي"، ومع ذلك لم يخجل من إعلانه لبناء القصور .. تاركاً آلافاً منهم يسكنون القبور.

ولأن الحساب بينهم ممنوع .. والرجاء فيهم مقطوع، فلم يخجل أغنياء هذه الأمّة .. أن يُزيدوا فوق غُمَمِها غُمّة، فكانوا يقيمون الأفراح والليالي الملاح .. دون مراعاةً لشعور العامل الفقير أو الفلّاح، وكأنهم يكيدون لهم ويغيظوهم .. على أساس أنهم دَهْماء طُظ فيهم، وقد عرفت أن أحد هؤلاء الموسرين .. قد كلّف حفل زفاف ابنه من الملايين عشرين، وتلك الراقصة اللعوب .. أرادت استمالة القلوب، فأقامت مهرجاناً لعيد ميلادها الميمون .. أنفقت فيه بالكاد تسعة مليون، هذا بخلاف المظاهر الأُخْرى .. التي جعلت حياة الفقراء أَخْرى وأَخْرى، كتعليم أبنائهم في الخارج .. وحرصهم على نيل كل المباهج، واقتنائهم لكل غالٍ ونفيس .. عكس باقي الشعب الرخيص الذي راح فطيس.

وتطفو فوق كل هذه المظاهر .. ظاهرةٌ سنويّة تجمع كل المساخر، تستفز هذا الشعب المسكين .. رغم حرصه أن يكون من المتفرّجين، ولابد لك أن تكون فدائي .. كي تشاهد مهرجان "الجونة" السينمائي، فكل ما فيه يفقع المرارة .. ولتشرب أنت وأهلك من أقرب خرّارة، وبدلاً من أن يكْفوا على المهرجان ألف ماجور .. حتى يأمَنوا ثورة الجياع الذين يقفون يوميّاً ألف طابور، تجد الأغنياء فيه يستعرضون غِناهم .. ويتصرّفون فيه على هواهم، وها هي جميع قنوات التليفزيون .. تنقل على الهواء وقائع المهرجان الملعون، ويستمر البث على الهواء ساعاتٍ طويلة .. وكأنهم يبثّون وقائع الحج الجليلة، وأصبح الشعب الرصمي المصاب بالفصام .. شغوفاً لرؤية النجوم وسط الظلام، فهذه النجمة ترتدي فستاناً شفافاً .. وتلك لبست رداءً هفهافاً، وما بال "رانيا" قد تناست البطانة .. وكيف كانت "زيزي" عريانة، ويا ترى كيف ظهرت "ياسمين صبري"؟ .. وأصبحت في حيرةٍ من أمري، ولم استطع فهم سلوك هؤلاء المشاهدين الفقراء .. ألهذه الدرجة وصل بهم الغباء؟، أم أنهم يهربون من واقعهم الأليم .. برؤية هذا المهرجان الفخيم؟

ولكن ما جعلني استلقي على قفاي .. ما سمعته من صديقي "بشاي"، فقد قال لي أضحك الله سنّه .. أن الريف الرصمي أيْضاً له فنّه، وبعد أن اجتمع كبار الفلّاحين .. أصدروا بيانهم المتين:

"تعلن الإدارة العليا لمهرجانات الفلاحين والصعايدة وشؤون الموالد .. عن دعوتها لكل الفنانين الشِعبيين الآكلين على كل الموائد، لحضور فعاليّات مهرجان "الشونة" السينمائي "بأبو المطامير" – "بحيرة" .. ولقد قررنا عقد هذا المهرجان ليس بدافع الغيرة، بل لأن الفنانين الشعبيين لهم أيْضا الحق .. ليعبّروا عن أنفسهم بشكلٍ أدق، فالفن السينمائي ليس حِكْراً على الأغنياء ذوي المال .. ولكم في فن الأراجوز وخيال الظل ورقص الغوازي خير مثال، ولهذا وذاك وذلك وتِلك .. قررنا عقد المهرجان في أرضنا المِلك، الكائنة بعد كوبري الناموس .. تحت شعار "البني آدم والكابوس"، وهو مختلفٌ تماماً كاختلاف الحرب والسِلْم .. عن شعار المهرجان دِكهه بتاع "الإنسان والحِلْم"، والدعوة عامّة .. وح تبقى لمّة".

وقد سارع التليفزيون الريفي .. بانتداب مراسله "أبو دومة الخليفي"، لنقل وقائع هذا المهرجان الأوْحد .. ولا فيش حد احسن من حد:

سيدتي الفلاحة سيّدي المزارع .. أهلاً بكم في بثٍ مباشر لهذه الوقائع ، حيث ننقل إليكم افتتاح مهرجان "الشونة" السينمائي المحلّي .. وأنا أقف الآن بجوار جُرن "بسطاوي المجلّي"، وأرى الآن سيدتي الصعيديّة سيّدي الصعيدي .. مضيفات المهرجان بزيّهم التقليدي، منهنَّ مَن ترتدي جلابيّةً مزركشة .. ومناديل بأوية مُفعمةٌ بألوانات في غاية الفرفشة، ومنهنَّ أيْضاً مَن تلبس الطرحة والمَلَس .. وليس مَن قلع كمَن لبس، وألمح الآن السيّدات والسادة .. الفنانين السوبر والعادة، يستقلّون العربات الكارو والكاريتّات .. ويأتون من ناحية ترعة "الخواجات"، وبدأت العربات تقف عند كوم الجِلّة الأوّل .. وعيون الحاضرين عنهم لا تتحوّل، ونطّت أولاً الفنّانة الكبيرة "ست الدار" .. وأخذت سيلفي مع الحمار كتذكار، ووراءها فاتنة "أجا" الفنانة "أم الخير" .. ومعها زوجها الممثّل "خضير"، وها هي الغازيّة "زبيدة" تظهر في إطلالة جريئة .. ترتدي جلابيّة كلوش ليست بريئة، لأنني لا ألحظ من تحتها البطانة .. رغم إنها كستور من ماركة "الدبّانة"، عموماً بدأ المدعوون يقفون على الكليم الأحمر .. لالتقاط الصور أمام المصور، وتخطو أمامنا جميلة الجميلات "هنادي عبد ربه" .. بطلة فيلم "ذنبه على جنبه"، يا "هنادي" يا "هنادي" .. قرّبي علشان نعمل معاكي حوار ع الهادي:

- أهلاً يا "هنادي" منوّرة المهرجان .. ومُعجبينك بالهبل ماليين المكان.

- أهلاً بيك يا "ابو دومة" يا أمّور .. يا دي الفرح يا دي النور.

- أوّلاً أحييكي على عبايتِك الجانجاه .. صحيح من فات قديمه تاه.

- دي من تصميم الرائع "هادي البحيري" .. ده من عندكم من قرية "الأميري".

- تحبي تقولي إيه لكل المشاهدين .. اللي ف كل دوّار مستنيين.

- أقول لهم بحبكم قوي فشر المانجه .. زي حب العكاكيز لصاحبتها العَرْجة.

- كل الناس معجبة بدورِك الأخير .. يا ترى تعِبتي فيه كتير؟

- قصدك على دور الحفافة؟ .. ده كان دور خُرافة، فعلاً أخد مني مجهود ياما .. وأكيد ح يبقى ف مشواري علامة.

- نسيبِك بقى لحفل الافتتاح .. وان شا الله من نجاح لنجاح.

ونروح بسرعة ياحبايبنا للمطربة "راية جعيدي" .. اللي عملت قيمة للغُنا الصعيدي:

- مِسا التماسي يا وردة الصعيد .. ده احنا الليلة دي حظنا سعيد.

- مِسا مِسا يا "ابو دومة" .. يا اللي من غيرك ما تجوم لنا جومة.

- ده بس من أصلِك .. ومن كُتر عسلِك، قولي لنا بقى ح تغني لنا إيه الليلة دي .. نِفسنا نسمع أغنيتك "أبيض يا زبادي".

- لع  ح اسمّعكوا غنوة "خشمك عم بينجّط بوظة" .. وغنوة "إزاي تموت ف الكاسطر وتفوت البالوظة".

- الله عليكي يا ست الكل .. وعلى أغانيكي اللي زي الفل.

- بالإذن بجى يا ابو عمّو .. أحسن بيزعج عليَّ الواد "حمّو".

- إذنِك معاكي يا سِت الناس .. يا أحلى جوهرة وِسط الماس.

وطبعاً ما يحلاش أي مهرجان .. إلّا بوجود منتجنا "الشربيني" ومخرجنا الشنيع "بدرخان":

- معانا الآن "الشربيني" ملك الإنتاج .. و"بدرخان" إمبراطور الإخراج، ونسأل "الشربيني" في بداية الحوار .. شايفك مُصِّر على الحضور فوق حمار، يا ترى ده حفاظاً على التقاليد؟ .. ولّا انت بتحب كل جديد؟

- من غير حِلفان ولا بَصْم بالعَشَرة .. أنا ما تهونش عليَّ العِشرة، ما تنساش إني أصلاً تاجر حمير .. وما باحضرش مهرجانات كتير، قلت اجيب معايا حماري الأنتيم .. يمكن ينوله كومة تِبن أو عِلْو برسيم.

- ما شاء الله على الوفاء والإخلاص .. اللي انتهوا م الدنيا خلاص، الله! أومّال فين "بدرخان"؟ .. ده انا كنت عايزه ف حديث للمهرجان.

- تلاقيه راح ع الزريبة .. أصله لاحظ حاجة غريبة، وهوَّ جاي داس - اسم الله على مقامك - على براز بهيمة .. لقاه طري قوي وريحته مش سليمة، الظاهر الحوانات هنا جا لها داء "الخِماج" .. وانت عارف "بدرخان" ده بلوة في الإخراج، وإذا كان إخراج البهايم إسهال .. يعرف يشخّص المرض في الحال، راجل بيجري ورا الإخراج في أيّتوها حتّة .. من أيّام ما كان شغّال كلّاف ف عزبة "أبو ستّة".       

- ربنا يبارك له في إخراجه .. مع إني كنت محتاجه.

وهكذا يا بنيَّ العزيز .. مضت وقائع مهرجان "الشونة" اللذيذ، وتم عرض العديد من الأفلام .. واستمرّت تلك الهيافة سبعة أيّام، وفي نهاية المهرجان تم تسليم الجوائز .. وسط فرحة وتهليل كل فائزةٍ وفائز، ففاز بجائزة الأُفّة الذهبيّة .. فيلم "وداع ف المغربيّة"، وذهبت جائزة الزَرعة البلاتينيّة .. للفنّانة الفظيعة "صبحيّة"، وحصل "مغاوري" و"عبد السميع" و"دياب" .. على جائزة النبتة الخضراء لأفلام الشباب، وحصل الممثّل "حميده الأهطل" .. على درع السماد الأفضل، ولم يفُت إدارة المهرجان .. أن تكرّم فناني الريف بتوع زمان، فأهدت وشاح الزعزوعة الكبرى .. لفنّانة الأجيال "يسرا"، وأصر مدير المهرجان "نجيب رابسو" .. أن يلبّسها لها بنفسه.

عجيبٌ يا ولدي أمر هؤلاء الناس .. فبدلاً من أن يرفضوا مظاهر البذخ بكل حماس، صاروا يتابعون بكل الشغف .. ذاك السَفَه وهذا الترف، ولم يكتفوا بأن يغضّوا عنه الطرف .. بل راحوا يقلّدون هذا القرف بكل سَخَف.

وبعد أن أنهى الحكيم "ابن أبي صادق" كلامه .. انصرف حزيناً بعد أن ألقى عليَّ سلامه، فتذكّرت قوْله لي قبلاً .. عندما لم أزَلْ شِبلاً: "فتّش يا بنيَّ عن أسباب المرض .. وعليه العوض ومنه العوض".

وإلى أن نلتقي في حكايةٍ أخرى .. لكم من "ابن أبي صادق" تحيّةٌ كبرى.

google-playkhamsatmostaqltradent