خبر
أخبار ملهلبة

مصير صرصار | توفيق الحكيم | الفصل الثاني: كفاح الصرصار (7)


طبيب يرتدي بدلة ورابطة عنق ويحمل حقيبة أو شنطة

الفصل الثاني (7)

 

 

الدكتور: لا .. لا .. لا داعي للشرح .. أنا فهمت .. (يخرج من الحمّام ويهمس لـ"سامية") .. تسمحين بكلمة ..

سامية (في أثره): طبعا يا دكتور .. تفضّل! ..

الدكتور (هامساً لها): هو فعلا مرهق .. كم ساعةً يشتغل في المعمل؟ ..

سامية: الوقت المعتاد .. لكن الموضوع له سِرٌ آخر ..

الدكتور: أهو يعمل في شيءٍ آخر؟ ..

سامية: يجهِّز رسالةً للدكتوراه .. لكن حالته هذه لها .....

الدكتور: فاهم .. فاهم .. هو بالفعل محتاجٌ لراحة .. سأكتب له كل اللازم .. تسمح يا أستاذ "عادل"؟ ..

عادل (خارجاً من الحمّام): ماذا يا دكتور؟ ..

الدكتور: لا شيء .. فقط بصفتي طبيب الشركة .. وحضرت إليك في المنزل .. لا بُد من إجراء الكشف .. مجرّد إجراء .. لإثبات حضوري ليس إلّا ..

عادل: ولكني لست مريضاً ..

الدكتور: أعرف ذلك .. ولكنه مطلوبٌ مني تقديم تقرير .. والتقرير يجب أن يُثبَت فيه توْقيع الكشف ..

عادل: هل جئت بصفةٍ رسميّة؟ ..

الدكتور: طبعاً ..

عادل: آه .. في هذه الحال يجب عليَّ أن أساعدك .. لكن .. ماذا ستكتب في تقريرك وأنا غير مريض؟ ..

الدكتور: اترك لى التصرُّف .. تفضّل هنا على السرير أولاً ..

(يتمدّد "عادل" فوق السرير ويأخـذ الدكتور في فحصه بالسمّاعة والـدق والجس .. إلخ .....)

عادل: وزني ازداد في السنوات الأخيرة ..

الدكتور: هذا واضح .. بدأت الترهُّل قبل الأوان ..

سامية: تربّى له كِرش! ..

عادل: من الأكل الدسِم .. طبيخ "أم عطيّة"! ..

الدكتور: وربّما من عدم الرياضة أيضاً ..

عادل: ليس عندي وقتٌ للرياضة ..

الدكتور: تُرهِق نفسك في العمل كثيراً؟ ..

عادل: مضطر ..

الدكتور (يفحص صدره وظهره بالسماعة): خُذ نَفَسَك بشِدّة .. كفاية .. كفاية .. تدخِّن؟ ..

عادل: قليلاً ..

الدكتور: تُكثِر من القهوة؟ ..

عادل: فنجانيْن في اليوْم ..

الدكتور: خمور؟ .. مكيِّفات؟ ..

عادل: لا .. لا .. أبداً .. أبداً ..

الدكتور: تسهر بالليْل طبعاً ..

عادل: أحياناً .. عندما يستدعي عملي ذلك .. لكن على أي حال لا أتعدّى منتصف الليل ..

الدكتور: وتنام مستريحاً؟ ..

عادل: وأستغرِق في النوْم ..

الدكتور: أتحلم أحلاماً مزعجة؟ ..

عادل: لا مُزعِـجةٌ ولا مُفرِحة .. لا أحلم بالمرّة ..

الدكتور: ربّما تحلم ولا تتذكّر الحلم ..

عادل: جايز ..

الدكتور: ألا تشكو من شيءٍ غير عادي؟ ..

عادل: لا .. أبداً ..

الدكتور: متشكِّر ..

(ويأخذ الدكتور في كتابة التذكرة في ناحيةٍ من الحجرة .....)

سامية (تقترب من الدكتور): خيراً يا دكتور؟ ..

الدكتور: خيْر .. كله خيْرٌ والحمد لله والصحة جيّدة .. ليس عنده شيءٌ على الإطلاق .. سأكتب لـه بـعض المهدِئات، وأقرِّر له ثلاثة أيامٍ أجازة ..

سامية: ثلاثة أيام؟! ..

الدكتور: قليل؟ ..

سامية: بل كثير .. أكثر من اللازم ..

عادل (ناهضاً): ما هو الأكثر من اللازم ..

سامية: الدكتور يريد أن يقرّر لك ثلاثة أيامٍ أجازة! ..

عادل: ثلاثة أيام؟! ..

سامية: كفاية يوم واحد يا دكتور ..

عادل: طبعاً يومٌ واحد .. و حتى هذا اليوم ما كان له لزوم لوْلا حضورك يا دكتور .. حتى يكون لمجيئك مبرِّر ..

الدكتور: وهو كذلك .. يومٌ واحدٌ یا سیّدي ..

سامية: شُكراً يا دكتور ..

الدكتور: على شرط أن يلزم الفِراش ..

عادل: ألزم الفِراش؟! ..

الدكتور: ضروری ..

عادل: وما وجه الضرورة؟! ..

الدكتور: للراحة التامّة والاسترخاء الكامل ..

عادل: وإذا وجدت الراحة التامّة والاسترخاء الكامل في مكانٍ آخر؟

الدكتور: أين؟ ..

عادل: في الحمّام مثلاً؟ ..

سامية: سمعت يا دكتور؟ .. إنه سيمضى اليوْم في الحمّام ..

الدكتور: لا بأس أن يأخذ حمّاماً فاتراً .. هذا يساعده على الاسترخاء ..

سامية: إنه لن يأخذ حمّاماً على الإطلاق .. لا فاتراً ولا بارداً ..

الدكتور: وماذا سيفعل إذن في الحمّام؟ ..

سامية: اسأله ..

عادل: سأتفرّج على الصرصار .. ماذا في هذا؟! ..

سامية: سمعت بأذنك يا دكتور؟ ..

الدكتور: الصرصار؟! .. مرّةً أخرى؟ ..

عادل: تعالَ معي یا دکتور إلى الحوْض وسأشرح لك ..

الدكتور (ينظر إلى ساعته): في فرصةٍ أخـرى .. الوقت راح .. وأمامي أعمالٌ عاجلة ..

عادل: شرحي لن يستغرق أكثر من دقيقة ..

الدكتور: أعدك بزيارةٍ قريبة .. وإن شاء الله ستكون أعصابك قد استراحت ..

عادل: أعصابي مستريحةٌ جداً .. وكان بوِدّي أن تبقى قليلاً حتى .....

الدكتور: سأعود .. سأعود ..

عادل: متى؟ ..

الدكتور: بعد الظهر .. بعد الظهر ..

عادل: عندما تعود بعد الظهر سيكون كل شيءٍ قد تغيّر ..

الدكتور: ما هو الذي يكون قد تغيّر؟ ..

عادل: الصرصار .. يكون قد أُبيد .. أتظن زوْجتي ستترك الأمور على حالها؟! ..

سامية: طبعاً .. لا يمكن أن تمنعني من استخدام الحمّام طول اليوم .. هذا غير معقول ..

عادل (للدكتور): سمعت؟ ..

سامية: احكم يا دكتور! .. أليس عليَّ أن أذهب إلى شُغلي في المعمـل؟! .. ألا يكفي التأخير الذي سبّبـه لي حضرته ..

عادل: يا دكتور .. أنا لم أتسبّب في تأخيرها .. تأخيرها له سببٌ آخر .. اسألها عنه! ..

سامية: ما هو هذا السبب الآخر؟! ..

عادل: إصرارِك على أن تأخذي حمّاماً اليوْم ..

سامية: اسأله يا دكتور .. ما هو السبب في عدم أخذي الحمّام اليوْم؟ ..

عادل: أنا أقول لك السبب يا دكتور .. السبب هو أنها تريد إبادة هذا الصرصار ..

سامية: اشهد یا دکتور! ..

الدكتور: الواقع أن المسألة .....

عادل: أنا واثقٌ يا دكتور أنك ستشهد بالحق .. لأن المسألة واضحة ..

سامية: طبعاً واضحة .. لكن لا تحاول التأثير على الدكتور .. إنه فاهم كل شيء ..

عادل: أنا لا أحاول التأثير على الدكتور .. أنتِ التي تحاولين من الصُبح التأثير عليه .. ولكنه هو فاهم قصدي تماماً ..

سامية: قصدك أنت؟! ..

عادل: طبعاً ..

سامية: تكلّم يا دكتور .. أحقّاً أنك فهِمت منه شيئاً؟ ..

عادل: وهل أنت يا دكتور فهمت منها شيئاً؟ ..

سامية: جاوِب یا دکتور! ..

عادل: نعم .. جاوِب! ..

الدكتور (حائراً بينهما): أنا في الحقيقة .. الحقيقة أني .....

عادل: اسمع يا دكتور .. خلاصة الموضوع في كلمتيْن .. ضِع نفسك في نفس المركز ..

الدكتور: مركزك؟ ..

عادل: مركز الصرصار ..

الدكتور (يحمل حقيبته بسرعة): لا .. اسمحوا لي ..

(يخرج مهرولاً بينما "عادل" و"سامية" في أثره يصيحان به .....)

سامية: انتظر يا دكتور! ..

عادل: لحظة يا دكتور ..

 

 

(يسدل الستار على الفصل الثاني)

(يتبع في الفصل الثالث)

google-playkhamsatmostaqltradent